التصنيفات
دراسات

هل اتجاه القبلة في الجوامع المغاربية صواب؟

رغم قيام يزيد بن حاتم في عام 155 (هـ) بهدم جامع عقبة الذي بناه في زمن يزيد بن معاوية عام 81 (هـ) ورغم هدم زيادة الله الأغلبي في عام 212 (هـ) للجامع الذي تركه ابن حاتم وهو الذي بقي إلى اليوم و يقول عنه أهل القيروان بلسانهم المحكي ” الجامع الكبير” تناسياً منهم لعقبة، فإن الكهنة يتمسكون بتسميته على اسم مجرم الحرب عقبة الذي يقدسونه كتقديسهم للأنبياء ويزعمون أنه توصل إلى تحديد القبلة في المنام ثم سار نحو الاتجاه بعد أن بقي يسمع في هتافات الكبير لوحده من دون الناس، ليضع رمحه في اتجاه القبلة، كما أورد ذلك ابن عذاري بكتاب البيان المغرب وبعد ذلك سار تحديد القبلة على ذلك النحو بكامل الجوامع المغاربية…

ومما يجدر التنويه إليه أن تحديد القبلة في بعض جوامع القرن الأول هجري تحت سلطان دولة بني مروان قد كان في اتجاه البتراء و ليس نحو المسجد الحرام ببكة فيما اتجهت القبلة بالبعض الآخر في اتجاه نحو جنوب غرب بكة، باتجاه جبال القمر تقريبا. فيما اعترى الخلل في الاتجاه جامع عقبة الذي لم يقم بعده يزيد بن حاتم بهدم محرابه فيما أخفاه البناؤون بين الجدارين مع زيادة الله الأغلبي فكان الاتجاه بعيداً عن المسجد الحرام ببكة بزيادة 15° درجة نحو الجنوب طبق قياسات تم التحقق منها حديثا…. و الكهنة لا يشعرون…

وبذلك تفشى الغلط بجميع الجوامع التي اقتدت بسنّة من زعم أنه نزل عليه وحده إلهام أو وحي من الله واضحى الغلط مثل كرة الثلج والكهنة يقدسون مجرم الحرب الذي استولى على الساريتين الورديتين من بيعة (معبد النصار ىالدوناتيون) بالمكان… و كان من تشبث الكهنة بتقديس مجرمي الحرب من شخوص التاريخ أن اختار الإرهابيون الدواعش المغاربيون اسم عقبة بن نافع لكتيبتهم كما اختار “أنصار الشريعة” عقد مؤتمرهم الأول في 2012 عند هذا الجامع….

فهل تفقدتم اتجاه القبلة؟

التصنيفات
دراسات

قرية مدين و اهل مدين

واجه المفسرون والاخباريون من السلف مشكلة معرفية الزمتهم ببذل بعض الجهد عندما خاضوا في جغرافية قوم مدين واخاهم شعيب.

وعلى خلاف ما رافق اعتماد هؤلاء السلف من كسل معرفي بنقل معارف بعض اليهود و الكنيسة البيزنطية بخصوص الأنبياء المذكورين بالتناخ فإن بذل الجهد قد رافق ضبط الموقع الجغرافي لقرية النبي شعيب الذي اهملت اسفار التناخ ذكره أو الإشارة له.

و يجدر التنويه إلى كون يثرون حميّ موسى و أب زيفورا زوجة موسى المذكور في حكايا موسى بالتناخ ليس هو بالنبي شعيب كما هفى البعض من السلف بذلك لاتباعهم التخمين الاعرج وغير الممنهج.

و رغم فرصة الاخباريين و المفسرين لتأسيس معرفة جغرافية عن قصص الأنبياء دون تشويش عليها من حكايا التناخ اليهودي و اكاذيب فلافيوس جوزيف التي اعتمدتها الكنيسة البيزنطية من أجل الخديعة الكبرى التي اتتها لجعل رسالة عيسى – الذي اتخذ عندها شخصية يسوع بمجمع نيقيا في 325 ميلادي – دينا بيزنطيا يحلّ محل الميثرائية التي كانت الدين الرسمي للامبراطورية منذ 274 ميلادي الأمر الذي ترك آثار للميثرائية بالمسيحية واهنها عبادة الشمس المتوهجة في شخص يسوع فإن هؤلاء الاخباريون و المفسرون قد فوتوا عنهم الفرصة لما كتبوا عن جغرافية قرية مدين و شعيب ثم لما كتبوا عن اهل مدين و اتجاه موسى تلقاء مدين.

فقد عمد هؤلاء السلف إلى الاقتراض من بعض اليهود و الكنيسة لاطروحاتهم عن الموقع الجغرافي الذين زعموا بكونه موقع اهل مدين الذين اتجه نحوه موسى فرارا من فرعون بعد قتله للرجل وكزا.و حددوا موقع مدين شعيب انطلاقا من الموقع الذي زعمت الكنيسة البيزنطية انه المكان الذي اتجه نحوه موسى فرارا من فرعون و بذلك عادت حليمة إلى عادتها القديمة في الكسل المعرفي و نقل ما قالت به بعض يهود و الكنيسة البيزنطية و اقتصر الجهد على نقل ما وجدوا عليه الآباء….

وبالرغم من وجود عدة مؤشرات جغرافية طوبوغرافية و جيولوجية بكتاب الله على الموقع الجغرافي لقرية مدين التي اخذتها الرجفة و الصيحة بما ترك الذين أصحاب مدين الذين كذبوا شعيبا جاثمين في دارهم وهو ما يفيد ان هلاك أصحاب مدين الذين هم الأحزاب قد حصل بفعل حركة الصفائح التكتونية عند وقوع الزلازل في مكان ليس ببعيد عن موقع قرية و مدينة قوم اخوان لوط وذلك عند الايكة التي بها قرية شعيب وغير بعيد كذلك من موقع قوم تبّع كذلك و رغم بقاء اسم جبل النبي شعيب إلى اليوم بضواحي صنعاء نحو الغرب فإن الكسل المعرفي بالنقل عن بعض يهود و الكنيسة البيزنطية قد اغشاهم لهوى في أنفس هؤلاء الأعراب من الاخبارببن و المفسرين فجعلوا قرية مدين و دون برهان باتباع منهج السير في الأرض في مكان قالوا ان به مغائر شعيب هكذا و ببساطة لكونهم جعلوا المكان هو ذاته الذي زعمت الكنيسة انه المكان الذي هرب نحوه موسى من ايجيبت و الحال أن ايجبت ليس مصر المذكورة بكتاب الله فكان المنطق اعرجا لذلك جاءت النتيجة فاسدة و حمقاء.

و كان لهجر القرآن وما به من مؤشرات جغرافية و جيولوجية عن موقع قرية مدين ان سقطوا في هاوية ترديد اكاذيب فلافيوس جوزيف و الكنيسة معه و مما زاد الطين بلة انهم لم ينتبهوا إلى كون مصير قرية مدين قد شبيها بمصير ثمود بما يفيد ان الذين لم يكذبوا بشعيب قد نجوا من الرجفة و الصيحة و ارتحلوا من الايكة و القرية التي كانوا بها إلى موضع آخر قد اتجه معه موسى عند فراره من فرعون إلى اهل مدين الذين حازوا ماء مدين الذي اتجه نحوه موسى بعد فراره من أرض مصر المذكورة بكتاب و القريب من الطور…

و بالاعتماد على كتاب الله يتضح الفرق بسهولة بين موقع قرية مدين التي لاقت الرجفة و الصيحة و موقع ماء مدين بجانب الطور الذي ارتحل اليه اهل مدين الذين نجوا من مصير أصحاب الايكة من الأحزاب وهو المكان الذي فر نحوه موسى ثم عاد منه إلى مصر ذات الانهار التي كانت من تحت فرعون وهو ذات المكان الذي خرج اليه موسى و من تبعه من قومه و من معهم من بني اسرائيل مرورا بالباب عند الأرض المقدسة لينتق الله الطور فوقهم…

و مما يشير إلى ركون الاخباريين و المفسرين إلى النقل الشفوي من بعض يهود و من قساوسة الكنيسة انهم لم يقرأوا ما في التناخ اليهودي عن محاذاة “جبل حوريب” لمراعي مديان التي عاش بها موسى عند فراره من مصراييم اذ ان جبل حوريب وهو جبل الخراب لا يعدو الا ان يكون الطور الذي بجانب ماء اهل مدين…

و انطلاقا من جميع المؤشرات المنزلة بكتاب الله عن موقع قرية مدين و القريبة من أرض مصر ذات الانهار و الغير بعيدة من موقع قوم اخوان لوط و المحاذية لموقع قوم تبّع فإن هذه القرية تكون بيمين الأرض المقدسة فيما يكون ماء اهل مدين على مقربة من الأرض المقدسة التي بها البقعة المباركة وهو ما يفيد هجرة من آمنوا بشعيب نحو الشمال من أرض اليمن و ذلك على خلاف ما قاله بعض يهود و الكنيسة الذين لم يفرقوا بين موقع قرية مدين و ماء اهل مدين و الذين جعلوا موقع مديان في موضع لا يحاذي الطور الذي يرونه جبل الخراب علاوة على خبطهم بين ايجيبت و مصرايم فكانت التناقضات ملازمة لمزاعمهم عند التزوير….

و يجدر التنويه طبق حكايا التناخ إلى أن موسى قد خرج من ” چشن” قرب نهر مصراييم نحو ” مديان” التي وراء “جبل حوريب ” فيما لم يعثر إلى اليوم على شاهد ايبوغرافي وحيد شرق دلتا النيل بتانيس على ما يفيد ان المكان هو “چشن” وهو ما يسقط طرح بعض اليهود و الكنيسة و من اتبعهم من الأعراب الذين عميت قلوبهم بما يدعونا إلى السير في الأرض للنظر من أجل تصويب معارفنا الجغرافية عن قصص الأنبياء في الجغرافيا اعتمادا على المنهج العلمي باستنطاق المؤشرات المنزلة بكتاب الله على الخريطة.

التصنيفات
دراسات

الاستشهاد بالشواهد المنقولة وغياب الآثار العقارية مريب جدا

بقيت الكنيسة من بعد مجمع نقيا ( 325 ميلادي) تتحسس خارطة خروج موسى و العودة من التيه على ضوء مزاعم فلافيوس جوزيف ( يوسف بن متاتيا) المؤرخ اليهودي المترومن في كتابه حوليات يهودية بعد جعله أرض كليسيريا من النهر إلى البحر هي أرض كنعان التي كان الخروج إليها…
وقد سار على ذلك جميع من اتبع اطروحات الكنيسة حتى الاخباريين التراثيين من المسلمين و انتهى الأمر بتبني الحركة الصهيونية لذلك بعد تراجع الصهاينة عن اقامة كيانهم باوغندا وكينيا أو بالارجنتين….

و لعل شدة التناقضات الكامنة بخارطة الكنيسة عن رحلة خروج موسى و غياب الشواهد الاثرية على ذلك مع غياب أحداث الخروج عن الحوليات الايجبتية و من قبلها حكاية يوسف التناخية هو الذي جعل من تصدوا لنقد حكايات التناخ بالكتاب المقدس سواء من باب طلب المعرفة أو من أجل التحضير لزرع يهود اوربا و الشتات في أرض كليسيريا المسماة فلسطين منذ اتفاقية سايكس بيكو فقط إلى قيامهم بزيادة بذل الجهد في أعمال التنقيب و الحفريات من أجل الحصول على شواهد اثرية ايبوغرافية تبرر مزاعم المؤتمر الصهيوني الأول في العام 1897 وما يخفيه من مطامع امبريالية بالمنطقة في النصف الثاني من القرن 19 و بداية القرن 20….

و من الشواهد الايبوغرافية المشاعر إليها آنفا فقد تم العثور على حجر ميشع كما قيل من أحد المبشرين الألمان بمدينة ايلياء ( القدس) والذي يدعى فردريك اوغست كلاين في العام 1868 بمنطقة ذيبان شرق البحر الميت.

و حجر ميشع هو حجر بازلتي اسود منقوش عليه النص بخط من الابجدية الفنيقية يروي فيه الملك ميشع بن كموش انتصاره على مملكة السامرة وعلى ابن عمري ملك اسرائيل بعداضطهاد شعب مؤاب كما ذكر به تعهده بصيانة الطريق التجاري واحداث معركة الانتصار…

و لئن ذكرت اسفار التناخ ثورة مؤاب على ملوك السامرة فهي لم تسهب في ذكر أحداث هزيمة مملكة السامرة و التي كتب عنها ميشع في الحجر إنما ذكرت حصول تحالف مع مملكتي يهودا و أدوم من أجل تأديب ميشع و حصاره ودون حصول اشتباكات بين الطرفين….

و بقطع النظر عن التضارب بين حجر ميشع و بين حكايات التناخ عن الملك الذي هزمه ميشع و الذي من المفترض ان يكون اخاب بن عمري طبق النقش فإن حكايات التناخ تذكر الثورة من مؤاب على السامرة دون ذكر الملك الذي حصلت في عهده كما حدا بدائرة المعارف الكتابية الكنيسة للقول بأن تلك الثورة كانت في عهد اخزيا ابن اخاب بن عمري فيما جاء في التناخ ان يهورام ابن اخاب الذي ت لى الأمر بعد أخيه اخزيا هو من رغب في تأديب ميشع ملك مؤاب الذي عاصر الملك الاشوري شلمنصر الثالث الذي أجبر في 841.حزائيل ملك ارام ومعه يهورام ملك السامرة على دفع الجزية له كما تفيد بذلك النقوش الاشورية وخاصة المسألة السوداء و لعل ميشع قد ثار على السامرة بعد انها ه فرصة ما بعد هزيمتها على يد الاشوريين …

و مما يلفت النظر حول كيفية العثور على حجر ميشع هو الغموض حول القبيلة البدوية المقيمة شرق البحر الميت وعلى الأقل اسم زعيمها أو شيخها اذ لا اثر لهذه المعطيات وعلاوة على ذلك فإن منطقة ذيبان لا تعرف بمنطقة طفوح بازلتية ليستخرج منها الحجر فيما يتواجد مثل هذا النوع من الحجر في جنوب المملكة الهاشمية و في الشمال الشرقي لها وهي مواقع بعيدة عن ذيبان التي يريد البعض جعلها عاصمة مؤاب ديبون غير انه فاتهم انها ستقع في قسمة سبطي راوبين و جاد و التي كانت أرض رعي بما يفيد اتساعها و امتدادها كل ذلك مع التجاوز عن مغالطة جعل نهر الشريعة هو نهر الأردن و التجاوز كذلك عن اشكالية بحر كنروت الواقع شرق نهر يردن….
و لا تفوتنا الإشارة إلى كون حجارة الطفوح البازلتية تمتد مع امتداد سلسة جبال السراة وصولا إلى آخرها في عدن باليمن مرورا بأرض نجد العليا المحاذية لجبال الحجاز بما يمكن معه ان يكون معه حجر ميشع قد تم استخراجه من إحدى حرات الطفوح البازلتية جنوب ذيبان و وصولا نحو اليمن…

لعل اهم مأزق يعترض خارطة الكنيسة ومع التجاوز عن ما يلف سلسلة ملوك ارام من غموض هو حملة زراح الكوشي على مملكة يهودا في زمن آسا بن ابيام في بدايات القرن 9 قبل الميلاد و التي كانت بعد قرابة حوالي 30 عام من جملة شيشق ملك مصراييم على مملكة يهودا اثر موت سليمان و تولي ابنه رحبعام و انقسام المملكة إلى مملكتي يهودا و السامرة و كان من اثرها ان تم نهب اورشليم ….

و يشتد التناقض بخصوص خارطة الكنيسة عن رحلة الخروج وجعل مدينة ايلياء هي اورشليم من حملة زراح الكوشي الذي يكون من شعب إثيوبيا ان يعمد إلى القيام بحملة تعدادها مليون جندي من ارضه نحو ايلياء لحصارهاو نهبها كما فعل شيشق من قبله بما يستلزم علي عبور أرض كميت و ارض ايجبت معا ودون ان يتدخل أوسركون الثاني ملك ايجيبت من عاصمته تاتيس الواقعة شرق جلتا النيل كل ذلك مع غياب المنفعة من مثل هذه الحملة باعتبار ان من وراءه مليون حمدي يمكنه نهب مملكة ايجيبت فهي انفع له وذلك في ظل تراجع قوة مملكة ايجيبت في عهد أوسركون الثاني فيما كان يسهل عليه عبور جنوب البحر الأحمر ….

من غابت عنه الجغرافيا فقد راوغه التاريخ لذلك كان من الضروري السير في الأرض للنظر بدل اجترار حكايات تدحضها الجغرافيا قبل الاركيولوجيا طالما استخلص فنكلشتاين في كتابه أرض التوراة مكشوفة عن عدم عثوره على مباني دولة سليمان في أرض كليسيريا اي فلسطين حاليا و ذلك بعد أن قام بمسحها ستراتوغرافيا…..

التصنيفات
دراسات

اغتيال الفقه

لقد وقع اغتيال الفقه الإسلامي منذ أن ثبَّت “الفقهاء / العلماء” مفهوم القضاء والقدر، لشرعنة الواقع وإسباغه بـ “الشرعية”. ومنذ أن قالوا بوجود وحيين اثنين للرسول الاكرم. والحال أنه وحي واحد أوحد.

ومنذ أن ابتدعوا قاعدة باب سد الذرائع، ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع، مع الاقتصار على “العقل القياسي” في استنباط التشريع، واستعمال “العقل الترادفي” في التعامل مع كتاب الذكر الحكيم.

رغم أنهم قالوا بأن قاعدة فهمه هي بأنه يفسر بعضه بعضاً، ومن أعياه ذلك فعليه بالسنة. لكنهم يلجئون بسرعة إلى السنة دون بذل الجهد في التفسير. واقتصروا على المرويات في تفسير بعض ألفاظه.

وبذلك بقوا في مستوى السقف المعرفي لزمن الصحابة والتابعين بالنسبة لمعاني الكتاب. ثم تركوا الكتاب جانبا دون أن يحاولوا أن يطابقوا بين الوجود وهو “الكتاب المنشور”، وبين ما خطّوه بالمصحف وهو “الكتاب المسطور”. ثم راحوا يلبسون على تشريعات الرسول الأكرم (السنة = القانون) عند تنظيمه لدولة المدينة، الصبغة الأزلية والشمولية.

والحال أنها تخضع للصيرورة التاريخية بحكم أنها نسبية في الزمن، وأنها تعلقت بتنظيم مجال الحلال فقط. ثم ألحقوا بها أعراف أهل المدينة، واعتبروها في مكانة التشريعات القانونية النبوية، باعتبار توطن الرسول بالمدينة وأنه لم ينه عنها. وهكذا بدأت كرة الثلج بالتدحرج.

الحلال بين، والحرام بيّن، وبينهما أمور متشابهات. والمتشابهات هي المنهيات ولكنها ليست محرمات. إنما هي قواعد أخلاقية لا تختلف عن القواعد القانونية إلا بغياب ركن الجزاء. وهو المميز للقواعد القانونية، مع اشتراك القاعدتين في العمومية والتجريد والمرونة.

التحريم أزلي وشمولي. وهو من اختصاص الله وحده ولا يشاركه فيه أي بشر، ولا حتى رسول الله وخاتم الأنبياء. الذي اقتصر على تقييد الحلال، لأن الحلال يمارس مقيداً بالقوانين، وهي منهيات وقع سنها لمواجهة متطلبات الظرف الزماني والمكاني. ولا إطلاقيه لها في الزمن. بما يسمح بتنقيحها كلما اختلفت الأسباب.

إذ ان كل تراكم معرفي يؤدي إلى مجهود تشريعي قانوني، ولا يتسنى ذلك إلا بالتدبر لمواجهة الواقع بالنظر إلى المستقبل دون استعمال القياس، الذي يرجع فيه المجتهد قطعاً وحتماً إلى الماضي للبحث عن نموذج يقيس عليه. بما حصر الفقه في الماضوية وأضاع المستقبلية.

وأما رجال الكهنوت، فهم يعادون الجدل وينهون عنه، ويعتبرونه في مقام ما كان حكمه كراهة الحرمية. وبعضهم يحرّمه أصلا. والحال أنهم يتلون الكتاب الذي جاء فيه:

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (18) الكهف.

ثم ينعقون قائلين: نريد أن نحكم بما أنزل الله، وهم يرفضون الخضوع لما أنزل الله في الإنسان، وهو أكثر شيء جدلا من جدل الكون وباقي المخلوقات التي تطيع الله طوعاً. في حين يكون الإنسان بين الطاعةو المعصية.

فمن يعص الله إذاً ويرفض قانون الجدل الذي خلق الله عليه البشر، ومنحه التجريد بالعقل ليصبح انساناً؟ أليس هؤلاء المعادون للجدل؟

ألا يعلمون أن البشر ليسوا إلا ثدييات ولا إنسانية لهم إلا بالتجريد (المعرفة)؟ وجدل الإنسان (جدلية الطاعة والمعصية المرتبطة بالأوامر والنواهي و الأحكام و التشريع وفق قانون الحركة والتكيف والتغيير المستمر)؟

وأما التفاسير الموجودة للقرآن (لا أعتقد أن القران بحاجة إلى تفسير، إنما إلى تدبر) فهي كتب لا تخرج على كونها كتب تاريخ ليس أكثر، وأنها لم تتجاوز السقف المعرفي للعصر الذي كتبت فيه.

وقد تركوا الكتاب وراحوا يعتمدون كليا على المرويات، رغم أنها أدلة يخالطها الاحتمال. وقد وقعوا في عوائق إبستمولوجية كثيرة جعلت تفسيراتهم تختلط بعدة أخطاء في النتائج وعديد من التناقضات.

التصنيفات
دراسات

وتاه القرآنيون عن “الأرض المقدسة”

وهَم “القرآنيون” لما واجهوا عفن التراث السنّي، واكتفوا بإنكار الفقه والتاريخ، مع ازدراء لها مثل الذي عجز عن ارتقاء النخل لجني الرطب، فقال عنها شيص بدل الهدم واعادة البناء. وهذا أسلوب النعامة التي تطمر الرأس في التراب.

فيما برعوا في تخليص اللسان من اللغو، غير أنهم تورطوا في بحر رمال متحركة بالتوغل في الشقلبات اللسانية، التي رمت بهم في أحقاف الرمزية الغنوصية.

وأعاد بعضهم شطحات ماني بن فاتك النبي الكذاب بعد عيسى إلى السطح من جديد، ونشأ منهم تيار يزعم أن القرآن نزل على عيسى واستولى عليه محمد، وما هم فيما تحصحص إلا شياطين الغنوصية.

كانت حركة القرآنيين تجميلية طوباوية ولا غير، بعد أن أرادوا اجتثاث النص من التراكمات المعرفية المتواشجة به. إذ خلطوا بين اكداس المرويات من جهة، وبين المعرفة بالتاريخ بقراءة منهجية من جهة أخرى، وجعلوا أخبار التاريخ الذي لم يحققوا فيه مجرد حكايات، بحكم ما-قبلي يخالف منهج المعرفة. وهو ما شكّل لهم عائقا معرفيا في فهم صيرورة المفاهيم الفقهية، عبر زخم تراكمات السلف من الآباء، بما عاقهم أيضا عن الولوج إلى كنه الكارثة المعرفية الفقهية التي وصلنا اليها، والتي تحنّط بها الفكر الفقهي وارتد ذلك على السعي لتجديد العلوم.

ولئن اعتكف أهل الجماعة والسنة على اجترار اقتباسات “أئمة الفقه” من تراث الأحبار في “المدراش” و “الجمارة”، فقد ألبس “علماء الكلام” ما في فلسفة اللاهوت المسيحي على مبحث العقيدة، والذي تخيل كهنة “علم الكلام” أنهم شرحوا فيه الإيمان في كتاب الله. فأبدلوا البعض منه، وبنوا لهم تحت ما نفثوا من عُقد “إيماناً” موازياً. اقتبسوا فيه أيضاً من اللاهوت “اليهو_مجوسي” الأشكنازي لمنطقة مدينة بخارى وما حولها من خصوصية “تمجس” يهود التناخ الفريسين(البارثيين)، وفتل جميع هؤلاء حبلاً اعتصموا به بدل أن يعتصموا بحبل الله، وكتبوا الكتب بأيديهم وقالوا عنها أنها من عند الله، فاشتروا الضلالة بالهدى.

وظهرت كتب الحديث بعد ظهور كتب تقعر النحاة أعاجم اللسان، ومعاجم لغو الأعراب، وسقط الفقه في غيابة الجبّ التي تقوقع فيه أهل السند (الزنادقة الذين وقع اشتقاق اسمهم من لفظة زند بالفهلوية وهي لفظة السند). إذ أن السند لا يكون إلا لما كاد أن يسقط متهالكا من التهافت.

ولم يشذّ الشيعة الإمامية عن ذلك، فقد عمد كهنة الغيبة الصغرى منهم إلى حياكة أول “تلاميد” كتب الحديث عندهم مع “الكافي” بعد ظهور عجول السامري الستة من أشكيناز أهل الجماعة والسنة، ثم واصل كهنة كنيسة مال الخمس، التي أقامها الشيخ المفيد الكذاب وأعاد فيها رواج ميثولوجيا عبادة رب عالم الظلمات أنجي / أنكي / أنگي في شخصية الغائب.

ولعل من الوجيه القول إن فكر القرآنيين كان شبيها بجسم بلا رأس (لما فيه من علة التراث الفقهي) فحزّوه، وبلا ساقين لعلةٍ في تراث المرويات، فبتروها. وذلك عوضاً أن يعالجوا علة صداع الفقه التراثي الأعمى لجعله مبصراً، بهدم ما تهالك منه بتصويبه ومعالجة العرج والهرج في معرفة أخبار من سبق، بقراءة التاريخ بمنهج السير في الأرض، دون ازدراء الفقه والتاريخ كمعارف لها مناهجها الخاصة بها.

إذ أنه كما كان تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلم، فإن تاريخ الفقه هو تاريخ أخطاء الفقه. فيما يبقى التاريخ في تمحيص وغربلة دائمة على وقع اكتشافات الشواهد الأركيولوجية والإيبوغرافية، من أجل إحكام وضبط الأخبار من مصادر كتب الروايات، وذلك بعد إخضاعها لمنهج الترجيح بعد الاستقصاء.

وكان من الوجوب عند تصويب الحراك لمواجهة عفن التراث من ظهور جيل جديد يعتصم بحبل الله وبالمنهج الحنيف، دون طمر الرأس في الرمال كحال القرآنيين. ودون قفز وتعالٍ كحال الغنوصيين الرمزيين بعد أن لاذ “يهود” التراث باجترار معارفٍ هي كأسمالٍ بالية لها أكثر من ألف عام. فاليهودي هو زعم أنه “ابن الرب” والمحافظ على عادات الآباء المقدّسين، بينما القداسة لله وحده.

ولما أشار الله في الكتاب/الرسول من أنها الأرض المقدسة التي أحجم من تبعوا موسى عن دخولها لوجود قوم جبارين. كذلك قال القرآنيون عن التراثيون بعد أن رأوا آيات الله المبصرة ولكنهم أحجموا عن تصويب الفقه وترجيح التاريخ، فلم يدخلوها وتاهوا في أحقاف الرمز وشقلبات اللسان.

التصنيفات
دراسات

صادق و صدّيق

لم تسلم رسالات الأنبياء من التحريف بالزيادة أو النقصان في الكتاب بعد موتهم. أو الزعم بخلافتهم في مقام الرسالة. وخاصة من الذين كانوا حولهم أو قريبين منهم بصحبة، إلا ما رحم الله.

مثل العبد الصالح إسرائيل الذي كان قريباً من النبي إبراهيم؛ غير أن بعض ذريته قد فعل الأفاعيل من بعده، وحرّموا ما حرم إسرائيل على نفسه، من غلبة نزعة شدة تقديس الآباء من السلف. حتى وقع هجر الكتاب بنبذه وراء الظهور، واتباع ما وجدوا عليه آباءهم، ولعنهم الله على لسان داوود وعيسى رغم تفضيلهم على العالمين بعد حين.

ولئن قفز عزير الكوهين كاتب أسفار التناخ في كتاب العهد القديم، عن الفترة بين النبيين يوسف وموسى ولم يتعرض لها ولو بالإشارة، فإن ظهور ديانة البرهمن في شبه الجزيرة الهندية، قد كان في تلك الفترة مع أتباع كتاب صحف إبراهيم “الفيدا” أي الحقيقة.

غير أن تلك “الخراف الضالة” من بني إسرائيل قد جعلوها تلاميد “الفيدا” الثلاثة بدل كتاب واحد، مع تجسيم منهم لصور الله الخالق واتخاذهم العجل رمزا للخصب.

كما فعل غيرهم ذلك في بلاد الجبت مع العجل “أنابيس”، الذي اتخذه السامري إلهاً لبعض من تبع موسى من بني إسرائيل، لما واعد الله موسى أربعين ليلة للصيام بالجبل.

ثم عبد الخلف من بعدهم ما وجدوا عليه آباءهم، واتبعوا “شريعتهم” مع جعل أخبار “الآباء المقدسين” دينا لهم، بدلاً نهلِ أحكام الدين من الكتاب. وامتدت القداسة لبعض البشر ممن كانوا حول الأنبياء أو زعموا خلافتهم في الدين، بالتصدي واحتكار للكلام باسم المقدس خدمة للمدنس.

وقد خلف يشوع النبي موسى بعد موته، وقاد مسيرة العودة لأرض “الميعاد” عند انتهاء بلاء التيه في الصحراء، بجريرة إحجامهم عن دخول الأرض المقدسة. وزعم يشوع “خلافة” موسى النبي في مقام الرسالة، وأحرق ونهب القرى التي اعترضت طريقه.

وقتل الأغيار وهم “الجوئيم” أي الأمّيين من أهل تلك القرى دون الصبايا الأبكار، وفرضوا على من كان لهم الحظ بالصلح معهم، “خراج الجزية”؛ بما جعل من أعمال يشوع دينا يتبعه الخلف اقتداءً بالسلف من بعدهم! رغم مخالفة ذلك لكتاب صحف إبراهيم وموسى من تحريم البغي بغير حق.

ولئن لم يجعل شاؤول الطرسوسي، من بعد اختفاء عيسى، من رسالته ذات طابع عدواني، فإنه أسقط تكاليف كتاب موسى، ونبذ وراء الظهور كتاب يحي (المُتّبع من الصابئين) و الذي أحل الله فيه للذين هادوا من ذرية يعقوب ومن تبعهم من بنى إسرائيل بعض ما حُرّم عليهم بظلمهم.

فيما أعاد شاؤول، هذا المواطن الروماني اليهودي الفريسي والحراني، رسكلة بعض تراث معبد سين وأرتميس لليونانيين من الإغريق، والذين انحرفوا بدورهم بعد النبي يونس من انشغالهم بتجسيد الملأ الاعلى، في صور مع حياكة التعبيرات الأسطورية المخيالية والترميزية المجازية، بعد أن تسمى اليونان بالنبي يونس كما تسمى قبلهم البرهمن على إبراهيم.

ثم تسمى الأنصار لعيسى من الذي اتبعوا سنّة بولس الرسول، بعد أن أبدل اسمه شاؤول، بالمسيحيين نسبة للمسيح كريستن / كريشتن / قريشتن. واتبعوا رسائله التي طمست الإنجيل وكتب يحي وموسى، والتي أُلحقت بأسفار السيرة الأربعة الموصوفة بالقانونية بعد مجمع نيقيا.

وأصبح عدو أنصار عيسى قديسا “رسولا” بمجرد أن أخبر من حوله بمنام يقظة زعمَ كذباً فيهِ أنه رأى عيسى بن مريم الذي أعاد له بصره.

وقد أقام القديس بولس الرسول جماعة “أي كنوسس” الإغريقية مستغلاً قربه وصحبته من الحواري سمعان الصفا المعروف بالقديس بطرس. فيما انطلقت أرهاصات عبادة عيسي/ يسوع من إسقاط ملامح معبود اليونانيون الاغريق “دينو زوس” أي ابن الله على شخصية عيسي/ يسوع، فيما قام بولس بالتبشير عندهم مع تسمية عيسى بـ “كريستن”.

كما هو اسم إبن الله في ديانة البرهمن كريشتن والذين كان قريشتن لِـ”قريش” على ديانته مع مزج ذاك بجعل الملائكة من بنات هبل / بعل وعبادتها، واتخاذ الموريات الثلاث اللآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى شفعاء لهم ليرسل عليهم بعل / هبل الماء في استعادة لدين عقيدة الخصب العشتارية.

ولم يختلف عتيق التيمي الذي أبدل اسمه من عتيق إلى أبي بكر (بجرّ الباء) فيما لا يعرف له ولد باسم بكر ليتكنى به (أو لعله تكنى بولد الجيران!) عن السير بعد موت النبي محمد، وبعد استيلائه على إمارة الدولة في انقلاب السقيفة على الدولة المدينية، التي تركها النبي مع دستور الصحيفة، وخرق صريح لحكم الله بالشورى الملزمة؛ ليجعلها دولة جماعة دينية أي دولة كنوسس، تقوم على عصبية الجماعة والقبيلة والنظر للآخر على أنهم أغيار ليس عليهم من سبيل لأنهم من الأمّيين الجوئيم بقاعدة “من ليس معنا فهو عدو”.

ولم ينتظر عتيق التيمي طويلا إذ خلع على نفسه لقب “خليفة رسول الله”! هكذا دون خجل. وهو الذي لم يتنزل عليه الذكر الحكيم وحياً!

والحال أنه خلف أمير الدولة ببيعة مشوبة بالبطلان ثم كذب عن النبي بما رواه على لسانه من قوله: “نحن معشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة”، لينزع ويسلب انتفاع السيدة فاطمة من حائط فدك، بسبب امتناع الإمام علي من بيعته بيعة إذعان للأمر الواقع الذي دبّره حزب إيلاف قريش. وقام بتجهيز إحدى عشر جيشاً أرسلها لجباية مال شعيرة إخراج صدقة زكاة المال.

والحال انها احدى شعائر الإيمان، ولا إكراه في الدين؛ في خرق صريح منه لحكم الله في إكراه الناس على الإيمان. ولم تكن هذه العملية العسكرية إلا اجبارا للقبائل التي رفضت إرسال البيعة لحكومته الانقلابية ببيعة الإذعان. كما هو الحال عند بيعة الملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوه فيها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون.

وقد فعلت جيوشه الجابية ما فعله يشوع بن نون في القرى التي اعترضت نظيره من صحراء التيه إلى بيت إيل قرب شكيم. فسبت الإناث والذراري، وجبت صدقة مثل الزكاة على شريعة عتيق التي لم ينزل الله بها من سلطان في الكتاب. إنما أعاد عتيق تعشير حق الحصاد كما ورد في شريعة يهود التناخ بسفر التنثية [ 14: 12].

فيما جعل إخراج غنيمة بهيمة الأنعام في حدود ربع العشر، وابتدع بدعة النصاب الذي لا إخراج لمال عليه، كما فيما روي عن كتاب أرسله مع أنس بن مالك للبحرين والذي تم توثيق خبره في “التلمود” المنسوب للبخاري [رقم 1454].

والحال أن إخراج مال الغنيمة على ما رزق الله المؤمنين في بهيمة الأنعام هو الخمس وكذلك حق الحصاد لأنه الحق المعلوم. وقد خالف في هذا ما أسقطه شاؤول من إخراج صدقة مال الزكاة على أتباعه من القريشتن/ الكريستن، بجعل مقدار الإخراج باختيار كل شخص على حدة.

وفي المحصلة فقد أعاد عتيق، قاعدة التعشير التي كان عليها الأحابيش من أعراب قريش وكنانة، ومن تبعهم من أهل الحُمس، قبل أن يبلى نعل النبي!

ورغم أن عتيق التيمي، لم يذكر في أي خطبة له، إنه قد كان صاحب الغار مع النبي إلا أن من اتبعوا جماعته/ الكنوسس قد كذبوا بجهل منهم بجهلهم لما ورد في آية الغار بسورة التوبة. وأبدلوا صاحب الغار وهو دليل الطريق عبد الله بن أريقط بن بكر الكناني بعتيق التيمي.

ولعل هذا من أسباب إبدال إسم عتيق لكنية أبي بكر (بجرّ الباء) وإظهار أن معيار الصحبة يحجب بقية معايير الفضل الخمسة في اختيار أفضل الفضلاء لمنصب الأمير. باعتبار عدم منافسة عتيق للإمام علي فيها الخمسة وهي: العلم / التقوى/ الحكمة/ الشجاعة / القيادة.

ولم يتوقف التزوير عند هذا الحد، إذ أطلقوا عليه لقب “صدّيق” في إسقاط قميء للقب النبي يوسف، ولصفة كل من النبي إدريس وإبراهيم. مع ترديد أتباع كنوسس عتيق وجماعته عن النبي محمد، بانه مجرد صادق فقط! بينما عتيق التيمي صدّيق! عجبا كيف يعقلون!!!

وبذلك جعلوا إظهار صفة التشبيه بالصدق لعتيق مستمرةً دائمةً في الوقت، في حين جعلوها متراوحةً في الظهور مع خاتم الأنبياء وهو الذي كان صادقاً مثل النبي إسماعيل.

ولعل كذبة عتيق في مسألة فدك، وملاحقة هذا الوصف له قد جعل كهنة كنوسس الجماعة يعقون في مطب أكثر من خلع لقب صديق على عتيق لكونه قد “صدّق” النبي محمد في أم القرى عن رحلة الإسراء والمعراج! والحال أن المعراج خرافة وما أنزل الله بها من سلطان؛ في حين أن الإسراء قد كان للنبي موسى بما يثبت من كتاب الله مصدر اليقين إنما كان للنبي محمد الرؤيا/الفتنة فقط.

وأنه حتى لو سلمنا جدلاً، بتصديق أكذب حديث رواه أبو هريرة شيخ المضيرة الكذاب، فإن التصديق في لحظة ما من سيلان الوقت لا يجعل صاحبه صدّيقا، تظهر الصفة المشبهة عليه باستمرارٍ وديمومة.

كما هو الحال مثلا مع النبي يوسف وما أبعد الثرى عن الثريا بين يوسف بن يعقوب وعتيق بن أبي قحافة!

وما روته عائشة (أو نسب إليها من الحكواتية) مختلف لما هو يقين من كتاب الله، خاصة وقد نهى كتاب الله عن تزكية النفس، والا يتصور أن يخلع النبي محمد لقب صديق على عتيق، لما يجعله يخالف ما نهى عنه الله في الكتاب.

فيما أن فِرية أن عتيق قد كان أول ذكر من الرشداء قد آمن وصدّق برسالة محمد لما أمره الله بإنذار الناس، كما ورد في سورة المزمل فإن آية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ/ الشعراء 14. إذ إن العشيرة الأقربين من أوائل من اتبعوا النبي محمد، يكونون الزبير وعثمان وطلحة وعبد الرحمن وسعد. فهؤلاء من معد العدنانية، بينما عتيق من تيم القرشية. دون أن ننسى ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية [ج :3 / ص:37] من أن خبر اتباع عتيق لمحمد قد كان بذهاب عتيق لمحمد لسؤاله عن سبب تركه آلهة أهلل الحُمس من قريش بما يخالف أن يكون النبي محمد هو من ذهب لإنذار عتيق.

وذلك دون أن نغفل على غرابة ما أورده ابن كثير من تولى عائق الخطابة بالمسجد الحرام عن الجهر بالدعوة في استدعاء دور النبي هارون مع موسى والحال أن النبي محمد لا يشكو من طلاقة اللسان مما عند النبي موسى!

ولم يكتف الحكواتية من تضخيم المرويات عن عتيق. ولم يكفهم إسقاط شخصية يوسف وهارون. فقد أسقطوا على عتيق هذا بعضا مما فعله النبي إبراهيم مع أصنام قومه ويكون لم يسجد لصنم قط.

والحال أنه كان صاحب الأشناق والديات في الملأ من قريش بما يقع معه رد هذه الحكاية التي وردت في كتاب محمود شاكر الخلفاء الراشدون. والذي أورد فيه حكاية تدعو للضحك فقط، من كون عتيق قد رأى مناماً لما كان بتجارة له في الشام فارتخل للرعب النسطوري بحيرى الذي عبّر له الرؤيا، بمبعث نبي في قريش. لذلك بقي عتيق ينتظر قدوم هدا النبي؛ والحال أن هذا الأمر قد حصل مع أبي طالب لما اصطحب النبي صبيا معه إلي الشام.

وأسقط هؤلاء الحكواتية على عتيق حكاية منام شاوول الطرسوسي دون أن يغفل السيوطي في تاريخ الخلفاء[ص:48] أن يذكر أن عتيق لم يرى الخمرة قط في حين مجدي فتحي السيد في كتابه “سيرة وحياة الصديق” [ص:34] من حديث عائشة إن عتيق قد حرّم الخمر على نفسه كما حرّم إسرئيل بعض الطعام على نفسه.

لذلك سار أتباع كنوسس/ جماعة عتيق، على مثل ما حرّمه مع عتيق على نفسه، و لم ينتهوا عمّا نهي الله عنه في الآية 116 من سورة النحل. 

عجبا لمن يكذبون جهاراً، ويزكون أنفس بعضهم بعضاً بعد أن نهى كتاب الله عن ذلك. ويفترون الإفك والكذب وقول الزور بما يفضونه بعضهم لبعض غروره من زخرف القول، ليجعلوا عتيق التيمي صدّيقا، بينما محمد خاتم الأنبياء الذي كان على خلق عظيم مجرد صادق.

والحال أن عتيق قد أحرق الفجاءة السلمي بالنار مقموطاً كما أورد ذلك جمهور الإخبارين على شريعة اليهود الخسيديم، مثلما فعل اليهودي “يوسف آسار” الذي أحرق أصحاب الأخدود بالنار نجران. كما فعلها الخسيديم قوم إبراهيم عند رميه في النار بعد جعله أصنامهم جذاذا.

ولئن جعلها إبراهيم كذلك وهو النبي الذي نحن على ملته، فإنه يتجه جعل الأصنام البشرية جذاذاً، وهكذا يفعل من يصدعون بالحق.

التصنيفات
دراسات

أين تقع شكيم؟

ورد في الكتاب المقدس في سفر التكوين عن رحلة إبراهيم:

  • 11:31– وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطًا بْنَ هَارَانَ، ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ.
  • 11:32 — وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَنَ

كما ورد فيه أيضاً:

  • 12:1 — وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ.
  • 12:2 — فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً.
  • 12:3– وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ».
  • 12:4 — فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ.
  • 12:5 — فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ.
  • 12:6 — وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ.

ـــــــــــ

والملاحظ حسب السرد لمن كتب سفر التكوين، أن الرب من أمر إبراهيم بالخروج من أور كاسد إلى حاران للاتجاه إلى شكيم.

فهل رب إبراهيم في سفر التكوين لا يعرف الجغرافيا؟ أو من كتب السفر هو من لا يعرف الجغرافيا. أو أن من أرادوا مطابقة ما في سفر التكوين على الجغرافيا هم من لا يعرفون الجغرافيا.

من زعمهم أن:

  • أور الكلدانيين/ أور كاسد = أور زيقورات = الناصرية بجنوب العراق حالياً 
  • حاران= إسكي حاران = تينباصاك/ اورفة بجنوب تركيا حالياً (الرهاسابقا) شكيم / سخيم= سبسطية / نابلس، بأرض فلسطين الحالية.

  فهل أقرب طريق من أور زيقورات بجنوب العراق إلى سبسطية (نابلس) لا بد أن يكون بالاتجاه إلى الشمال الغربي بمحاذاة نهر الفرات، أم بركوب القوارب والملاحة في نهر الفرات ضد التيار إلى حين الوصول إلى أورفة في جنوب تركيا ثم الانعطاف جنوبا إلى سبسطية (نابلس) في أرض آرام سوريا؟

أم أن الاتجاه من الناصرية إلى نابلس مستحيل لوجود هوة عميقة في الأرض، تمنع المرور، مما يفرض على إبراهيم أن يتجه نحو الشمال الغربي ثم الانعطاف جنوبا بدل الاتجاه غرباً؟

يبدو أن من أرادوا مطابقة ما في سفر التكوين لا يعرفون الجغرافيا أو يستغفلون ويستهبلون من يسمع لهم. خاصة وأن الآثاريين الصهاينة المتصلين بالأرض لم يحصلوا على أية آثار تعود للعصر البرونزي الوسيط (2000~ 1550 ق.م.) في سبسطية (نابلس).

ولا حتى في الخليل التي يزعمون أنها كما ورد في كتاب “التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها” بالصفحة 381 لمؤلفيه اسرائيل فنكلشتاين رئيس قسم الآثار بجامعة تل أبيب سابقا ونيل أشر سيلبرمان وهو مؤرخ يهودي.

حقا من غابت عنه الجغرافيا فقد راوغه التاريخ.

التصنيفات
دراسات

ملهاة تصنيم أو هلامية الأنبياء

إن الخروج من شرنقة تخاريف الفهم السلفي لقصص الأنبياء في كتاب الله، والمغرق في تصنيم الأنبياء الى حد عباداتهم، لا يعني أن يقع الغرق في القراءة الغنوصية المتعالية الهلامية، من الذين أصبحوا يعرفون بـ “الرمزيون القرآنيون”.

الذين ينفون الشخوص التاريخية للأنبياء. والذين لو كان في كتاب الله حكايات مثل الحكايات التناخية لجاز ما ذهبوا فيه، من تسامٍ وتعالٍ عن النص.

ولكن النص هو قصص من قصّ الأثر بما يفيد جزما بسير هؤلاء الأنبياء على الأرض وأنهم لم يتواجدوا في عالم المثل الهلامي المرتبط بتخاريف رب “نيبرو” وعالم الذر.

وأما بحث المؤرخين والأركيولوجيبن في الجغرافيا الخطأ، فهو لا يفيد بالجزم المعرفي عدم سير هؤلاء الأنبياء على الأرض. إنما يعزى نقص المعارف التاريخية عن هذه الشخوص لاختلالات منهجية معرفية في معرفة التاريخ والأسطورة.

ومما يقع فيه إخواننا الرمزيون، هو الخلط الفظيع الشديد الذي يصل حد الخبط بين الشخص والشخصية. إذ أنهم يهتمون بالشخصية ويفسرون هيأتها منزوعة، مجتثةً عن الشخص، الذي كان له وجود تاريخي.

ولعل ذلك يعود في عدم الثقة بتلاميد التراث فيقولون بإنكارها، مثل النعامة التي تطمر رأسها في التراب، لإخفاء والعجز عن الإلمام بالخفايا التاريخية والأركيولوجية لتلك الشخوص البشرية.

ويهربون من أمام هذا العجز المعرفي بأخبار وأنباء القرون التي خلت، لتقاعسهم عن السير في الأرض للنظر، وتكاسلهم المعرفي بالزعم الواهي جداً منهم بأنه لا شخوص للأنبياء! إنما هم مجرد “أنظمة”.

وذلك من فرط الوقوع في الغنوصية العرفانية الحلولية، التي تعيقهم عن تخطي هذا الخلل الابستمولوجي في منطلقاتهم المعرفية، بما يورث استخلاصاتهم بعد ذلك وهناً وتهافتاً معرفياً ملحوظاً.

مثل الذي أوقع الإغريق اليونان، الذين نسجوا بانثيون الميثولوجيا، بعد التوهان في الملأ الأعلى (ولا أقول الاسطورة لكون الأسطورة تاريخ) بنظرة تقدس الآبائية مع التعالي عن الأسطورة، مما أنتج لهم حكايات ميثولوجية غاية في الترميز والمجاز. وهو العائق المعرفي الذي وقع فيه إخواننا الرمزيون.

 لأن القصص في كتاب الله، ما هو بقول شاعر بما ينفي المجاز عنه ولا هو بقول كاهن بما ينفي الترميز أيضاً.

فإن الحنيفية هي سير بميل عن الباطل مع استقامةٍ نحو الحق. فلا صنمية سلفية،و لا هلامية غنوصية متعالية عن النص، بعد الإجفال من السير في الأرض للنظر.

سيروا في الأرض فانظروا ودون ازدراء لهذه الأرض، ولو أنها من الرض؛ لأن آدم خليفة فيها ولم تكن جنته في السماء. كما يأسرهم عالم المثل الغنوصي. لأن آدم قد أكل من الشجرة وانتهى وقضي الأمر.

والبحث عن الشخوص التاريخية للأنبياء في الجغرافية الخطأ، لا يفيد انتفاء وجودهم التاريخي والأركيولوجي في الجغرافية الحقيقية. إنما هو مجرد تقاعس عن السير في الأرض.

إن الهروب الى الأمام لا يختلف عن الاختباء في الماضي.

التصنيفات
دراسات

لا إله الا الله وحده

لقد تركت الفجوة التوثيقية لأسطرة وتوريخ أحداث الدولة “العربية” بيثرب؛ التي أقامها النبي ومدّن بها المدينة التي هي اسم مكان من الجذر “دان”، من جرّاء إتلاف الكتب وسجلات وزُبر بيت المال. والتي كانت نواة إدارة حكومة الدولة، في ظروف وملابسات تشير إلى قيام “الشيخين” بحرق صحف وكتب، قيل إن بها “أحاديث النبي”.

وعلى الأرجح فإن هذه الصحف قد كانت صحف بيت المال المفقودة، بحسب ما بلغ إلينا من مرويات عن حرق تلك الصحف. وقد ترك هذا الفراغ التوثيقي خللاً في تاريخ دولة النبي، من شأنه حسم الاختلافات والجدالات في معرفة تاريخية تلك الفترة؛ خاصة وأن حركة التدوين لأحداث السيرة ومعها تاريخ تجربة الدولة النبوية، قد جاءت متأخرة نسبياً، لانطلاقها بداية من القرن الثالث الهجري.

رغم ظهور إرهاصات تدوين سابقة عن ذلك مع كتاب قيس بن سليم في النصف الثاني من القرن الأول، وظهور كتاب زعيم الحكواتية سيرة ابن إسحاق في القرن الثاني. والذي فقد أصله ونقل منه ابن هشام بعد القيام بالتشذيب له، ليظهر كتاب سيرة بن هشام في القرن الثالث هجري، مع ظهور كتاب تاريخ الطبري شيخ الإخبارين الذي نقل أيضا عن ابن إسحاق، ونقل أيضا عن الراوي الكذاب سيف بن عمر التميمي.

بما لا تخلق معه الطمأنينة لأغلب تلك المرويات المدونة تحت إشراف البلاط العباسي الذي تغللت فيه عناصر أشكنازية يهودية، ومجوسية، قدمت مع قائد ثورة العباسيين أبو مسلم الخرساني، قبل أن تنطلق حركة تدوين الحديث لتغليبه على المعرفة بالتاريخ وجعل تلاميد الحديث الأشكيناز الستة، بداية من عهد المتوكل العباسي مصدراً مثنوياً للدين، كما فعل عزير لما كتب سفر التثنية كمصدر مثنوي على كتاب موسى، قبل ظهور تلمود المدراش الذي به تدوين “الشريعة الشفوية” وبسند متصل لموسى.

وقد كان لكل هذه العوامل، غياب الرجاحة في كتب الإخباريين (والتي لم ترتق إلى مصاف كتب المؤرخين) لغلبة النزعة الحكواتية عليها، وتضمين بعض الخرافات الغرائبية بها، إلى الشك المعرفي لما ورد فيها، خاصة فيما يتعارض مع كتاب الله.

ومن بين المسائل التي درج الناس عليها ما يسمى بركن “الشهادتان” كركن أول من “أركان الإسلام الخمسة”، تبعاً لحديث ينسب لابن عمر.

والحال أن الإسلام دين وليس عقدا له أركان بما يفيد بطلان هذا القول الأخرق الذي جعل الدين طقوسياً أكثر منه شعائرياً. وكان من استتباعات هذا الزعم الباطل على دين كتاب الله، أن تلطخ النداء للصلاة الموقوتة بالتّشهد المثنوي، على النموذج الزرادشتي الذي يشهد فيه المجوس أنه “لا إله الا آهورا مازدا وأن زرادشت عبده ورسوله” وذلك (علاوة على أوجه شبه أخرى مع الزرادشتية المجوسية الزندائية).

وهي ترنيمة يرددها المجوس، كما كان اليهود يرددون قول عزير ابن الله، والنصارى قول إن عيسى ابن الله. بينما المسيحيون فهم يقولون ثلاثة طبق دوغمائية التثليث الكنسي.

ولكن بالرجوع إلى كتاب الله، ولئن وردت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان والحج، فإن ما يسمى بركن “الشهادتان” لا نعثر له على وجود. فالشهيد سميع بصير حسب كتاب الله. ومما زاد الطين بلّة، تضمين هذا “التشهد” المثنوي على النموذج المجوسي إلى صيغة النداء للصلاة الموقوتة.

فيما اختلفت الصيغة بين طائفة أهل الجماعة والسنة، مع طائفة الشيعة، رغم وجود القاسم المشترك في التشهد المثنوي المجوسي لغلبة المثنوية في المجوسية، بحكم أنها من أقدم الأديان.

وحتى كتاب الأفيستا الذي جاء به زرادشت، فقد وقع اتخاذه مهجورا ليحل محله كتاب “زند أفيستا”، ثم تلمود زندائية كشرح الكتابين بما لا يجعلنا نتحقق من تصويبات كتاب أفيستا لدين المجوسية.

ومما يدعم الاحتراز الشديد من صيغة النداء للصلاة الموقوتة ترنيمة الشهادتان، علاوة على عدم العثور على آية في كتاب الله بصيغة الأمر أو بصيغة الندب للتلفظ بهذه الترنيمة المشبوهة جداً لما فيها من قول شركي و ذلك بإشراك النبي مقروناً مع اسم الله.

والحال أن كتاب الله يخبرنا بما نزل للنبي محمد، عليه السلام، قوله: “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” [الكهف 110].

وأيضا في “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ” [فصلت 6].

وبذلك فالآيتين واضحتين جليتين في التوكيد على اجتناب الشرك مع الله، فيما تكلف النبي محمد بالقول للنفي عن نفسه شبهة التقول عليه من الذين زادوا في الدين، بما كتبوه في الأسفار ثم قالوا إنه من عند الله.

والشرك بالله هو إشراك أي شخص وأي شيء مع الله، حتى الملائكة والأنبياء. فقد زاغ أتباع الكنيسة من المسيحيين وقالوا ثلاثة وقرنوا اسم الآب (الخالق بالآرامية) مع الابن والروح القدس.

وأخبرنا كتاب الله بأن من يقولون ثالث ثلاثة، فهم كفرة، فيما كان المشركون من قريش يشركون في التلبية عند البخبخة بالهرولة حول البيت سبع أشواط في صلاة المكاء: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، أبو بنات في فدك”.

والبنات هي الموريات الثلاث؛ اللآت والعزى ومناة التي يتقربون بها زلفى إلى الله، الذي يعرفونه ولكنهم يشركون معه الموريات الثلاث والتي يقولون أيضا أن شفاعتها لَتُرتَجى.

وطالما أنه لا خيرة لما قضى به الله لواجب طاعة الرسول. وبحكم اتباع النبي الذي كان يردد لمن حوله ما أمره الله بقوله فقد وجب ذكر اسم الله وحده دون إشراك النبي محمد معه، أو أي نبي آخر.

وبالنسبة للمحمديين الذين يتبعون حديث النبي محمد فيما ورد في الآيتين من الكهف 110 وفصلت 6 فهو حديث يقيني لا يحتاج لتصحيح الألباني ولا لغيره من كهنة الحديث. ولا إلى ترقيعاتهم المضحكة بالبكاء المُرّ والحذلقات البائسة منهم. وحتى باستقراء صيغة النطق بما يفيد إسلام الأنبياء.

التصنيفات
دراسات

التثليث السنسني

  1. الله هو الآب؛ الآب هو اسم الفاعل في فعل أبَّ يَئُبُّ أبّاً. وأبيب وعموما هو خالق الأبّ مثل “فاكهة وأبّاً…”
  2. محمد حبيب الله وهو من خلق اللهُ الكونَ من أجله. وجعلوا له عقلاً مطلقاً يشارك به الله في أحكام الدين بالتحريم. ولولا الخجل من آيات كتاب الله عن المثلثة الذين يقولون ثلاثة، والذي أخبرنا الله بأنهم كفروا، لقالوا إن محمد هو ابن الله وليس حبيبه. بمعنى ابن الله أي تجسد الله فيه. ولكنهم فعلوا ذلك بجعله شريكا مع الله في التحريم مثلما قال المثلثة المسيحيون أن عيسى في السماء يجلس على كرسي العرش على يمين أبيه. ولا ننسى فرية جعل النبي راوياً محدثاً عن الله في الأحاديث القدسية، أو يتكلم نيابة عنه.
  3. الله قد أيّد عيسى بالروح القدس. والتأييد نصرة وقوة وتمكين. في حين أوهمنا السنسن أن جبريل عبارة عن خادم عند محمد. وولولا الخجل، لجعلوه مثل خادم المصباح في حكايات ألف ليلةٍ وليلة. فقد جعلوا جبريل ملازما للنبي في المرويات الخيالية الكاذبة. ولم يكفيهم ذلك؛ إنما جعلوا من العشرة المبشرين بالجنة (كذبا من عند أنفسهم على الله) مع الحسن والحسين، الاثني عشرا حواريا. ثم أسبغوا صفة القداسة عليهم كما فعل النصارى، وكذلك المسيحيون، ذلك من قبلهم. رغم وجود مبرر لذلك، إذ أنه قد كان يوحي للحواريين وهم أنصار الله. وهم من أكمل التبشير بالإنجيل عن الباركليتس في أصقاع الأرض بيننا لم يكن يتنزل الوحي على من كانوا حول محمد. سواء من العشرة أو من البقية الذين قالوا عنهم “صحابة”. وتسببوا عليهم قداسة مثل قداسة القديسيين عند الكنيسة المسيحية وخلعوا عليهم صفة “العدالة” رغم أن من بينهم الذين جاؤوا بالإفك. والأعراب المنافقون المنقلبون على الأعقاب، الكذبة الذين تخلفوا ساعة العسرة، الذين قتل بعضهم بعضاً من أجل الإمارة.

والغريب أن السنسن يزدرون المسيحيين مع نعتهم بالكفرة. ونسوا أنهم مشركون يشبهون المسيحيين فيما فعلوا قبلهم من إشراك لعيسى مع الله ثم عبادته كما يعبد السنسن النبي محمد، ولكنهم لا يشعرون. فقد أصَّلهم كُبراؤهم واتبعوهم، وبقوا على ما وجدوا عليه آباءهم.