لا يزال نص كتاب التناخ اليهودي المعروف بالعهد القديم يشغل بال كل باحث ناقد لما ورد في سرد حكاياته كما لا يزال قائلا حول هوية من كتبه و تاريخ كتابة سردياته لغياب الشواهد الاثرية على مما اضطر الباحثين إلى ابتكار نظرية المصادر الأربعة.
و تقول الكتاب به مصدر يهوي و الوهيمي و مثنوي و كهنوتي بما يفيد بحصول إضافات على النص الأصلي باضافة المصدر الألوهيمي على اليهوي قبل إعادة تحريره من الذاكرة بعد السبي البابلي بشنعار ( العراق ) او بعد ذلك باضافة المصدر المثنوي مع الحبر الكاتب عزرا و باضافة الاقحامات التي تلته من المصدر الكهنوتي مع تجميع اسفاره .
و من يتأمل في مسألة جعل يعقوب ابن اسحاق ابن ابرام يدعى إسرائيل يشعر ان الفقرات من 25 إلى 32 من الاصخاح 32 من سفر التكوين مضافة سواء من المصدر المثنوي او الكهنوتي لأنها تبدو مقحمة على سرد السياق الذي وردت به اذ انها وردت في سياق سرد رحلة عودة يعقوب من فدان أرام بعد فرار يعقوب من خاله لابان رفقة زوجاته الأربعة و منهما لية و راحيل ابنتي خاله مع خادمتيهما زلفة و بلهة و أبناءه و ذلك إلى أرض شكيم بعد فراره قبل أربعة عشر سنة من شقيقه عيسو / ادوم الذي توعد يعقوب بالقتل إثر قيام يعقوب بالتحايل على ابيه اسحاق لنيل البركة منه مستغلا كبره و ضعف بصره بعد ايعاز من رفقة التي فضلت ولدها يعقوب الراعي على ابنها عيسو الصياد .
و باعتماد اسلوب منطق الاستنتاج العكسي بحذف الفقرات من 24 إلى 32 من الاصحاح 32 من سفر التكوين للنظر في إمكانية حصول ارتباك في سياق سرد رحلة العودة من يعقوب نحو شكيم مقر جده ابرام المحاذية لجبل سعير الذي يقيم به اخوه عيسو فإنه بحذف تلك الفقرات لا يرتبك السياق عند سرد رحلة العودة .
و باستقصاء خطوات يعقوب منذ هروبه من أرض فدان أرام أين رعى غنم خاله ليزوجه ابنتيه ثم يفر يعقوب من المكان بعد الشعور بالغبن من خاله الذي لما علم بفرار بيعقوب التحق به في ظرف سبعة أيام من مسير يعقوب بماشية صغيرة قدرها يعقوب بكونعا نصيبه من غنيمة خاله مما رعاه له يعقوب و قد التحق به خاله في جبل جلعاد لذلك وضع يعقوب الرجمة بوضع عمود حجري بالمكان و اسماء جلعيد بعد التصالح مع خاله.
و يتضح زيف الرؤية المسيحية و الصهيونية عند مطابقة المواضع الجغرافية المذكورة بالتناخ اليهودي مع الجغرافيا عندما يجعلون اور كاسيديم التي هي بفدان أرام او أرام النهرين القرية التي خرج منها ابرام نحو حران ثم شكيم بكون حران هي اورفا / الرها الواقعة حاليا في محافظة غازي عنتاب جنوب دولة تركيا و شمال انطاكيا بينما يجعلون اور كاسيديم بالنسخة العبرية السفاردمية و بالنسخة السبعونية اور الكلدانيين هي مدينة اوريم التي بها زقورة اور الواقعة حاليا قرب الناصرية جنوب العراق لكون المسافة بين اورفا/ الرها بعيدة جدا على من يسير مشيا على الاقدام مع ماشية صغيرة ثم تزعم الصهيونية و الادبيات المسيحية بأن مدينة شكيم بكونها مدينة نابلس الواقعة جنوب بحيرة طبريا وعلى الضفة الغربية لنهر الشريعة و ليس الاردن اذ لا تقطع المسافة بين الرها / اورفا و نابلس مشيا على الاقدام مع ماشية الغنم في ظرف سبعة أيام مشيا على الاقدام مع الماشية لكون معدل مشي الإنسان باليوم لا يتجاوز ثلاثة و ثلاثون كيلومتر باليوم و المسافة بين الرها / اورفا و مدينة نابلس بعيدة جدا و تتجاوز اكثر من من ما ئتين و ثلاثين كيلومتر بكثير .
و مع العودة إلى سياق رحلة عودة يعقوب نحو شكيم من فدان أرام فإنه لما وصل إلى جبل جلعاد فقد اقترب من أرض شكيم يتضح بأن جعل يعقوب لما يجوز بعائلته مخاضة نهر يبوق فلا داعي لبقاءه لوحده بالمكان حتى يصارع إنسانا في هيئة ملائكة و إثر الصراع و عدم التغلب على يعقوب يطلب هذا الأخير من الذي صارعه المباركة ليقول له من اليوم انت تسمى إسرائيل.
و قد وردت خرافة تسمية يعقوب بمصارعته بمخاضة نهر يبوق في الفقرات من 24 الى 32 من الاصحاح 32 من سفر التكوين وهي كالآتي :
فبقي يعقوب وحده، وصارعه انسان حتى طلوع الفجر. 25 ولما راى انه لا يقدر عليه، ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. 26 وقال: «اطلقني، لانه قد طلع الفجر». فقال: «لا اطلقك ان لم تباركني». 27 فقال له: «ما اسمك؟» فقال: «يعقوب». 28 فقال: «لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل اسرائيل، لانك جاهدت مع الله والناس وقدرت». 29 وسال يعقوب وقال: «اخبرني باسمك». فقال: «لماذا تسال عن اسمي؟» وباركه هناك.
30 فدعا يعقوب اسم المكان «فنيئيل» قائلا: «لاني نظرت الله وجها لوجه، ونجيت نفسي». 31 واشرقت له الشمس اذ عبر فنوئيل وهو يخمع على فخذه. 32 لذلك لا ياكل بنو اسرائيل عرق النسا الذي على حق الفخذ الى هذا اليوم، لانه ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النسا.
و بالعودة إلى النص الأصلي بالعبرية بعيدا عن تحريف و خيانة الترجمة ( لم يقم مترجم عربي مسلم بترجمة التتاخ اليهودي الى اليوم بالعربيةلكون الترجمات هي مسيحية ) فإن من صارعه يعقوب بمخاضة نهر يبوق فهو الوهيم אלוהים و انشيم אנשים و الوهيم هي الملائكة و انشيم هو الإنسان.
و يبدو أن المترجم المسيحي للنص يخلط بين يهوه وهو اله العالم عند اليهود و بين الوهيم ( الأرباب ) و التي تعني الأرباب الملائكة لكونها وردت في صيغة الجمع.
١١و هذا النص الأصلي للفقرة :
וַיִּוָּתֵר יַעֲקֹב, לְבַדּוֹ; וַיֵּאָבֵק אִישׁ עִמּוֹ, עַד עֲלוֹת הַשָּׁחַר
تصويت النص :
ويوتر يعقب لبدو .، ويأبق ءيش عمو عد علوت هشهحر .
و بمحاولة إعادة الترجمة فإن الفقرة :
و بقي يعقوب وحده و صارع إنسانا آبقا عند طلوع الفجر .
و في العبرية איש ءش هو المرء و المؤنث ءيشه אישה اي عائش و عائشة بعد ابدال الهمزة عينا.
و بتمحيص الأحداث الليلية بمخاضة يبوق يتضح بكون يعقوب قد قبض على مرء مع بزوغ الفجر ولما طلب منه إطلاق سراحه أصر يعقوب على اخذ المباركة منه جعل اسمه من تلك اللحظة إسرائيل لانه سرى فجرا مع الملائكة( الوهيم ) و مع الناس (انشيم) و بقي على قيد الحياة لذلك دعى يعقوب مخاضة يبوق باسم فنوئيل لانه رأى بها الملائكة “الوهيم” .
و بتمحيص الأحداث الليلية بمخاضة يبوق يتضح بكون يعقوب قد قبض على مرء مع بزوغ الفجر ولما طلب منه إطلاق سراحه أصر يعقوب على اخذ المباركة منه جعل اسمه من تلك اللحظة إسرائيل لانه سرى فجرا مع الملائكة( الوهيم ) و مع الناس (انشيم) و بقي على قيد الحياة لذلك دعى يعقوب مخاضة يبوق باسم فنوئيل لانه رأى بها الملائكة “الوهيم” غير ان يعقوب غادر المكان وهو يعرج مم جراء الوكزة عند المصارعة بحُقّ فخذه.
و بصرف النظر عن التناقضات التي احتوتها خرافة فنوئيل فإن العبرة بكون يعقوب قد أصبح اسمه إسرائيل بما يفيد انه عند سرد بقية الأحداث التي حدثت له يكون اسمه في تلا الاصحاح 32 إسرائيل لكن كاتب التناخ اليهودي بقي يسمي يعقوب بيعقوب و يستمر ذلك في باقي أسفار التناخ اليهودي..
و باستقصاء السياقات بسرد الحكايا بالتناخ اليهودي فإن التطابق بين يعقوب و إسرائيل قد ورد في المناسبات التالية و هي الفقرات 22اصحاح 32 تكوين و فقرة 1 اصحاح 1 خروج و فقرة 8 اصحاح 41 اشعياء و ورد ابدال في بعض المناسبات في سفر التكوين اسم يعقوب باسرائيل بينما يتضح التمايز بين اسم يعقوب و اسم إسرائيل في ذات الفقرة بسفر العدد و المزامير و سفر اشعياء و اريميا و حزيقال و ميخا الأمر الذي يستنتج منه أن الكهنة قد اضافوا الفقرات من 24 إلى 32 اصحاح 32 تكوين بعد كتابة سفر اريميا الذي فر غربا عبر البحر الغربي قبل الوقوع في الأسر عند حملة نبوخذ نصر على اورشليم و هدمها.
و يظل السؤال مطروحا ما الداعي لجعل يعقوب يسمى إسرائيل؟ و الحال ان لفظة إسرائيل ترد بالسياقات لتشير إلى شعب إسرائيل עם ישראל الذين هم بني إسرائيل حسب التناخ اليهودي.
وما الداعي لاقحام الفقرات الثمانية بآخر الاصحاح 32 من سفر التكوين و خرافة مصارعة يعقوب لمرء ملائكي أعطى المباركة ليعقوب في مخاضة يبوق التي أصبحت فنوئيل بعد ذلك ؟
ارتحل يعقوب فرارا من أخيه عيسو نحو الشرق كما جاء ذلك في الاصحاح 29 فقرة 1 :
1 ثم رفع يعقوب رجليه وذهب الى ارض بني المشرق
و ترجمت عبارة בְנֵי-קֶדֶם ( بني قدمه) بعبارة بني المشرق و هو اتجاه جنوبي شرقي ( لان تمام الشرق هو مزراحه מזרחה)بالنسبة لشكيم بما يفيد ان ابرام قد قدم لشكيم من الجنوب الشرقي و ليس من الشمال اي من اورفا الرها بوصفها حران نحو تل بلاطة بجانب نابلس حاليا انما اتجه يعقوب شرقا نحو فدان أرام أرض جده ابرام سابقا و رعى هناك غنم خاله لابان الأمر الذي يتضح معه زيف المطابقة الجغرافية في ادبيات الكنيسة المسيحية .
و يتجه التنويه إلى كون الباحث الاركيولوجي إسرائيل فنكشتاين الذي شغل لسنوات منصب رئيس قسم الدراسات الاثرية بجامعة تل أبيب و الذي قام بمسح ستراتوغرافي على كامل الأرض المحتلة من النهر إلى البحر لم يعثر على ما يثبت آثار وجود حكايا التناخ اليهودي .
و بالعودة إلى الشواهد الاثرية التي ذكر بها اسم إسرائيل نجد لوحة مرنبتاح بن رمسيس الثاني الذي حكم ايجيبت بين 1213 و 1203 قبل الميلاد وقد ورد بها ذكر عند ذكر حملته على كنعان عبارة :”و دمرت يزريار ( إسرائيل ) ولم تبق لهم بذرة ” وهي لوحة قد اكتشفت عام 1896 بالمعبد الجنائزي لمرنبتاح كما نجد حجر ميشع المؤابي المحفوظ بمتحف اللوفر بباريس و التي قيل انها اكتشفت في العام 1868 شرق نهر الشريعة بالشام و جاء ذكر انتصار ميشع على ملك إسرائيل” عمري ” و تعود الأحداث إلى 840 قبل الميلاد تقريبا وقد نقشت بالخط الفينيقي على حجر الجرانيت و هذا الشاهد الاثري يثير الريبة في ما قيل عن قصة العثور عليه و مكان ذلك باعتبار عدم وجود حجر الجرانيت البني في شرق نهر الشريعة .
وعليه فإن يعقوب ليس اسرائيل ببراهين من كتاب التتاخ اليهودي ذاته اذ ان التمايز بين الاشكين اكثر بكثير من مواضع التماثل المحدودة و المقحمة على النص بعد كتابته الأولى على مقولة ” من فمك ادينك ” و لم يثبت ان يهود الشتات اليوم من اشكيناز و حسيديم و دونمة و كبالا و سفارديبم و فلاشا و حريديم هم من بني اسرائيل الذين عادوا من التيه بعد سيرهم وراء موسى إلى الأرض التي بها لبن و عسل و الواقعة جنوب نهر مصرييم إلى آخر سلسلة جبال السراة من جشن גשן جيزان حاليا إلى آخر أودية تهامة اليمن .