هل يستقيم الظل و العود اعوج؟

هل يستقيم الظل و العود اعوج؟

     في العلم و المعرفة، يكون اختيار وتحديد زاوية النظر، مسالة مهمة جدا ومحورية في ترتيب النتائج و الاستنتاجات العلمية. فاذا كان للحقيقة وجوه متعددة، فإن النظر لأي ظاهرة من زاوية واحدة فقط، هو اختيار يجعل هامش الخطأ واسعا. مما يستدعي اختيار أفضل مكان لزاوية النظر إن تعذر النظر الى الظاهرة من زاويتين او اكثر، لتقليل هامش الخطأ.

     و لنضرب أمثلة على ذلك، فالمصور الفوتوغرافي، ومهما أجهد نفسه، فان صورته قاصرة عن الاقتراب من الحقيقة. و بالمثل يكون حال المخرج التلفزي، أو السنيمائي. الذي وإن يكثر من تقطيع المشاهد المأخوذة لنفس المشهد من زوايا متعددة، فإنه لا ينقل الواقع بأمانة. إنما يبقى تصويره لذلك المشهد أعرجا لعدم قدرته على نقل الصورة الكاملة.

     و في المقابل يكون الرسام من غير مدرسة الواقعيين، او الانطباعين، ومن سار على دربهم، أقرب الى نقل المشهد الذي يرسمه بدرجة أفضل من المخرج التلفزي و السينمائي، ومن المصور الفوتوغرافي. لكون الرسام التشكيلي، يكون متحررا من الأبعاد الحقيقية في اختيار زوايا النظر.

     إلا أنه ومهما أجهد نفسه في ذلك، فإن المخرج المسرحي، في غير مسرح الفودفيل المولياري، أو الكوميديا الايطالية، يكون متحررا أكثر من ناقلي الصورة ممن ذكر سابقا. خاصة إن كان لعب الممثلين، على ركح من صنف الركح في المسرح الاغريقي. فإن نقل المشهد، يكون أقرب للواقع.

      رغم اختلاف أمكنة المتفرجين بتعددهم، ورغم الإختلاف في زاوية نظر من يشاهد الركح من الشرق، أو من الغرب، او من الوسط بينهما. فإنه بإمكان كل متفرج أن يختار زاوية نظره ما أمكن، بحكم هامش الحرية الذي يتيحه المخرج المسرحي للمشاهد. بما يختاره  من نوع الركح، واتجاه الاضاءة، واماكن الضوء، و الظلمة، على المسرح . علاوة عن اختيار الزمن في المسرحية، سواء بالزمن الواقعي أو المفترض. 

     قد يكون الظل مستقيما و العود أعوج باتباع الخدع البصرية، غير أن ذلك، لا يخرج عن أشهر خدعة بصرية يعرفها البشر، وهي خدعة السراب. الذي يحسبه الظمآن ماءا، فينهك نفسه بالحركة و التوجه إليه بما قد يكون معه حتفه، دون ان يروي ظمأه، وفي أفضل الحالات، يهتاج عليه العطش.

     و هكذا حال السائر في دروب المعرفة و العلم، متعثرا تارة، و مستقيما أطوار أخرى، إن كان ذو بصيرة، ورجاحة عقل، وإيمان فياض، يهديه و ينير له سواء السبيل، كما لو كان يحمل في يده قبسا، يشق به ظلام الجهل، و هوى النفس، و سوء الظن، و مراوغات الانطباع، و الهلوسة، و الوهم، و الغرور، و قصر النظر.