لقد تركت الفجوة التوثيقية لأسطرة وتوريخ أحداث الدولة “العربية” بيثرب؛ التي أقامها النبي ومدّن بها المدينة التي هي اسم مكان من الجذر “دان”، من جرّاء إتلاف الكتب وسجلات وزُبر بيت المال. والتي كانت نواة إدارة حكومة الدولة، في ظروف وملابسات تشير إلى قيام “الشيخين” بحرق صحف وكتب، قيل إن بها “أحاديث النبي”.
وعلى الأرجح فإن هذه الصحف قد كانت صحف بيت المال المفقودة، بحسب ما بلغ إلينا من مرويات عن حرق تلك الصحف. وقد ترك هذا الفراغ التوثيقي خللاً في تاريخ دولة النبي، من شأنه حسم الاختلافات والجدالات في معرفة تاريخية تلك الفترة؛ خاصة وأن حركة التدوين لأحداث السيرة ومعها تاريخ تجربة الدولة النبوية، قد جاءت متأخرة نسبياً، لانطلاقها بداية من القرن الثالث الهجري.
رغم ظهور إرهاصات تدوين سابقة عن ذلك مع كتاب قيس بن سليم في النصف الثاني من القرن الأول، وظهور كتاب زعيم الحكواتية سيرة ابن إسحاق في القرن الثاني. والذي فقد أصله ونقل منه ابن هشام بعد القيام بالتشذيب له، ليظهر كتاب سيرة بن هشام في القرن الثالث هجري، مع ظهور كتاب تاريخ الطبري شيخ الإخبارين الذي نقل أيضا عن ابن إسحاق، ونقل أيضا عن الراوي الكذاب سيف بن عمر التميمي.
بما لا تخلق معه الطمأنينة لأغلب تلك المرويات المدونة تحت إشراف البلاط العباسي الذي تغللت فيه عناصر أشكنازية يهودية، ومجوسية، قدمت مع قائد ثورة العباسيين أبو مسلم الخرساني، قبل أن تنطلق حركة تدوين الحديث لتغليبه على المعرفة بالتاريخ وجعل تلاميد الحديث الأشكيناز الستة، بداية من عهد المتوكل العباسي مصدراً مثنوياً للدين، كما فعل عزير لما كتب سفر التثنية كمصدر مثنوي على كتاب موسى، قبل ظهور تلمود المدراش الذي به تدوين “الشريعة الشفوية” وبسند متصل لموسى.
وقد كان لكل هذه العوامل، غياب الرجاحة في كتب الإخباريين (والتي لم ترتق إلى مصاف كتب المؤرخين) لغلبة النزعة الحكواتية عليها، وتضمين بعض الخرافات الغرائبية بها، إلى الشك المعرفي لما ورد فيها، خاصة فيما يتعارض مع كتاب الله.
ومن بين المسائل التي درج الناس عليها ما يسمى بركن “الشهادتان” كركن أول من “أركان الإسلام الخمسة”، تبعاً لحديث ينسب لابن عمر.
والحال أن الإسلام دين وليس عقدا له أركان بما يفيد بطلان هذا القول الأخرق الذي جعل الدين طقوسياً أكثر منه شعائرياً. وكان من استتباعات هذا الزعم الباطل على دين كتاب الله، أن تلطخ النداء للصلاة الموقوتة بالتّشهد المثنوي، على النموذج الزرادشتي الذي يشهد فيه المجوس أنه “لا إله الا آهورا مازدا وأن زرادشت عبده ورسوله” وذلك (علاوة على أوجه شبه أخرى مع الزرادشتية المجوسية الزندائية).
وهي ترنيمة يرددها المجوس، كما كان اليهود يرددون قول عزير ابن الله، والنصارى قول إن عيسى ابن الله. بينما المسيحيون فهم يقولون ثلاثة طبق دوغمائية التثليث الكنسي.
ولكن بالرجوع إلى كتاب الله، ولئن وردت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان والحج، فإن ما يسمى بركن “الشهادتان” لا نعثر له على وجود. فالشهيد سميع بصير حسب كتاب الله. ومما زاد الطين بلّة، تضمين هذا “التشهد” المثنوي على النموذج المجوسي إلى صيغة النداء للصلاة الموقوتة.
فيما اختلفت الصيغة بين طائفة أهل الجماعة والسنة، مع طائفة الشيعة، رغم وجود القاسم المشترك في التشهد المثنوي المجوسي لغلبة المثنوية في المجوسية، بحكم أنها من أقدم الأديان.
وحتى كتاب الأفيستا الذي جاء به زرادشت، فقد وقع اتخاذه مهجورا ليحل محله كتاب “زند أفيستا”، ثم تلمود زندائية كشرح الكتابين بما لا يجعلنا نتحقق من تصويبات كتاب أفيستا لدين المجوسية.
ومما يدعم الاحتراز الشديد من صيغة النداء للصلاة الموقوتة ترنيمة الشهادتان، علاوة على عدم العثور على آية في كتاب الله بصيغة الأمر أو بصيغة الندب للتلفظ بهذه الترنيمة المشبوهة جداً لما فيها من قول شركي و ذلك بإشراك النبي مقروناً مع اسم الله.
والحال أن كتاب الله يخبرنا بما نزل للنبي محمد، عليه السلام، قوله: “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” [الكهف 110].
وأيضا في “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ” [فصلت 6].
وبذلك فالآيتين واضحتين جليتين في التوكيد على اجتناب الشرك مع الله، فيما تكلف النبي محمد بالقول للنفي عن نفسه شبهة التقول عليه من الذين زادوا في الدين، بما كتبوه في الأسفار ثم قالوا إنه من عند الله.
والشرك بالله هو إشراك أي شخص وأي شيء مع الله، حتى الملائكة والأنبياء. فقد زاغ أتباع الكنيسة من المسيحيين وقالوا ثلاثة وقرنوا اسم الآب (الخالق بالآرامية) مع الابن والروح القدس.
وأخبرنا كتاب الله بأن من يقولون ثالث ثلاثة، فهم كفرة، فيما كان المشركون من قريش يشركون في التلبية عند البخبخة بالهرولة حول البيت سبع أشواط في صلاة المكاء: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، أبو بنات في فدك”.
والبنات هي الموريات الثلاث؛ اللآت والعزى ومناة التي يتقربون بها زلفى إلى الله، الذي يعرفونه ولكنهم يشركون معه الموريات الثلاث والتي يقولون أيضا أن شفاعتها لَتُرتَجى.
وطالما أنه لا خيرة لما قضى به الله لواجب طاعة الرسول. وبحكم اتباع النبي الذي كان يردد لمن حوله ما أمره الله بقوله فقد وجب ذكر اسم الله وحده دون إشراك النبي محمد معه، أو أي نبي آخر.
وبالنسبة للمحمديين الذين يتبعون حديث النبي محمد فيما ورد في الآيتين من الكهف 110 وفصلت 6 فهو حديث يقيني لا يحتاج لتصحيح الألباني ولا لغيره من كهنة الحديث. ولا إلى ترقيعاتهم المضحكة بالبكاء المُرّ والحذلقات البائسة منهم. وحتى باستقراء صيغة النطق بما يفيد إسلام الأنبياء.