ملهاة تصنيم أو هلامية الأنبياء

ملهاة تصنيم أو هلامية الأنبياء

إن الخروج من شرنقة تخاريف الفهم السلفي لقصص الأنبياء في كتاب الله، والمغرق في تصنيم الأنبياء الى حد عباداتهم، لا يعني أن يقع الغرق في القراءة الغنوصية المتعالية الهلامية، من الذين أصبحوا يعرفون بـ “الرمزيون القرآنيون”.

الذين ينفون الشخوص التاريخية للأنبياء. والذين لو كان في كتاب الله حكايات مثل الحكايات التناخية لجاز ما ذهبوا فيه، من تسامٍ وتعالٍ عن النص.

ولكن النص هو قصص من قصّ الأثر بما يفيد جزما بسير هؤلاء الأنبياء على الأرض وأنهم لم يتواجدوا في عالم المثل الهلامي المرتبط بتخاريف رب “نيبرو” وعالم الذر.

وأما بحث المؤرخين والأركيولوجيبن في الجغرافيا الخطأ، فهو لا يفيد بالجزم المعرفي عدم سير هؤلاء الأنبياء على الأرض. إنما يعزى نقص المعارف التاريخية عن هذه الشخوص لاختلالات منهجية معرفية في معرفة التاريخ والأسطورة.

ومما يقع فيه إخواننا الرمزيون، هو الخلط الفظيع الشديد الذي يصل حد الخبط بين الشخص والشخصية. إذ أنهم يهتمون بالشخصية ويفسرون هيأتها منزوعة، مجتثةً عن الشخص، الذي كان له وجود تاريخي.

ولعل ذلك يعود في عدم الثقة بتلاميد التراث فيقولون بإنكارها، مثل النعامة التي تطمر رأسها في التراب، لإخفاء والعجز عن الإلمام بالخفايا التاريخية والأركيولوجية لتلك الشخوص البشرية.

ويهربون من أمام هذا العجز المعرفي بأخبار وأنباء القرون التي خلت، لتقاعسهم عن السير في الأرض للنظر، وتكاسلهم المعرفي بالزعم الواهي جداً منهم بأنه لا شخوص للأنبياء! إنما هم مجرد “أنظمة”.

وذلك من فرط الوقوع في الغنوصية العرفانية الحلولية، التي تعيقهم عن تخطي هذا الخلل الابستمولوجي في منطلقاتهم المعرفية، بما يورث استخلاصاتهم بعد ذلك وهناً وتهافتاً معرفياً ملحوظاً.

مثل الذي أوقع الإغريق اليونان، الذين نسجوا بانثيون الميثولوجيا، بعد التوهان في الملأ الأعلى (ولا أقول الاسطورة لكون الأسطورة تاريخ) بنظرة تقدس الآبائية مع التعالي عن الأسطورة، مما أنتج لهم حكايات ميثولوجية غاية في الترميز والمجاز. وهو العائق المعرفي الذي وقع فيه إخواننا الرمزيون.

 لأن القصص في كتاب الله، ما هو بقول شاعر بما ينفي المجاز عنه ولا هو بقول كاهن بما ينفي الترميز أيضاً.

فإن الحنيفية هي سير بميل عن الباطل مع استقامةٍ نحو الحق. فلا صنمية سلفية،و لا هلامية غنوصية متعالية عن النص، بعد الإجفال من السير في الأرض للنظر.

سيروا في الأرض فانظروا ودون ازدراء لهذه الأرض، ولو أنها من الرض؛ لأن آدم خليفة فيها ولم تكن جنته في السماء. كما يأسرهم عالم المثل الغنوصي. لأن آدم قد أكل من الشجرة وانتهى وقضي الأمر.

والبحث عن الشخوص التاريخية للأنبياء في الجغرافية الخطأ، لا يفيد انتفاء وجودهم التاريخي والأركيولوجي في الجغرافية الحقيقية. إنما هو مجرد تقاعس عن السير في الأرض.

إن الهروب الى الأمام لا يختلف عن الاختباء في الماضي.