كذبة العثور على حجر ميشع المؤابي بالخط الفنيقي شرق البحر الميت .

كذبة العثور على حجر ميشع المؤابي بالخط الفنيقي شرق البحر الميت .

انطلقت في النصف الثاني للقرن التاسع عشر زمرة من المنقبين عن الآثار في بلاد الشام و بلاد اليمن سواء من الباحثين عن التاريخ او من المغامرين تجار القطع الآثارية .و لئن كانت اللقى الآثرية باليمن عدبدة بعد اكتشافها من ادوارد جلازر و جون فليبي متثلة في النقوش السبئية الحميرية بحرف المسند اليمني في اغلبها فإن اللقى الأثرية على غرب و شرق نهر الشريعة طبق الخرائط العثمانية و الذي اصبح نهر الأردن بعد الانتداب البريطاني على المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم تكن كثيرة ان لم نقل قد كانت نادرة .

في هذا الخضم فقد قيل انه في سنة 1868 عثر القسيس الألماني كلاين المقيم بمدينة ايلياء / بيت المقدس على حجر منقوش عليه كتابة بالخط الفنيقي لما كان برفقة صديقه سطام بن الشيخ بن صخر فندي الفايز عند قيامهما بجولة على شرق البحر الميت بتل ذبيان الواقعة شمال وادي الموجب بمنطقة البلقاء فقام القسيس كلاين بنسخ بعض الكلمات منها عشوائيا و اخبر قنصل المانيا ببيت المقدس الذي عنده اطلاع على حضارة الشرق القديم عن الحجر فراسل هذا الأخير متحف برلين بشأن إمكانية شراء الحجر و اتفق القنصل مع أصدقائه على كتمان السر غير ان احدهم أفشى به للدكتور باركيلي من الإرسالية اليهودية ببيت المقدس و الذي اخبر بدوره المستشرق الفرنسي جانو كليرمون الذي سعى للحصول على الحجر و احتدم التنافس حول المسلة خاصة بعد صنع قالب لها ثم ظهرت في سنة 1870 بمتحف اللوفر الفرنسي بباريس و لا تزال هناك .

الحجر من البازلت وهو حجر بركاني متكون أساسا من أوكسيد السيليكا بنسبة 53% تقريبا ومن الحديد و يظهر على سطح الأرض بتدفق الصهارة و تشكلها حمما من الشقوق و الطفوح و من المخاريط البركانية .يبلغ طوله 124صم وعرضه 71صم منقوش عليه 34 سطر بخط فنيقي فيه تدوين انتصار الملك المؤابي ميشع بن كموشيت على مملكة إسرائيل و عاصمتها السامرة في عهد الملك عمري الذي ملك بعد موت الملك أخاب كما جاء ذكر ذلك بسفر الملوك الثاني بالإصحاحين الأول و الثالث و تعود فترة حكم الملك ميشع الى حوالي 840 قبل الميلاد وقد ذكر في نص الحجر ان ميشع افتتح مدينة نبو و قتل أهلها و سلب منها مواقد يهوه و وضعها بمعبد كموش رب المؤابيين بينما لم يتعرض كاتب سفر الملوك او سفري أخبار الأيام لذكر الهزيمة التي منيت بها مملكة السامرة من المؤابيين .

لم تثمر التنقيبات الثرية بتل ذبيان وحوله على وجود خرائب أو أطلال أسس مطمورة تحت الأرض فيما عثر على نصب ايجيبتي فيه تنصيب اثنين من الأرباب لملك ايجبتي بخربة بالوعة على شمال مصب وادي الموجب الذي يسيل جنوب تل ذبيان وذلك من خلال شكل الملابس الإيجبتية بالنصب الصخري النافر بما فيه من شخوص كما اثمرت التنقيبات الأثرية على غرب البحر الميت و غرب نهر الشريعة /الأردن وجود الأثار الإيجبتية و النقوش بالهيروغليفية بما يفيد ان المنطقة على شرق و غرب البحر الميت و نهر الشريعة بكونها منطقة نفوذ ايجيبتي المر الذي يتجه معه القول باستبعاد ان تكون الأحداث التي دارت بين مملكة مؤاب و مملكة السامرة قد وقعت في جغرافيا أخرى .

يرى لانكستر هاردنج في كتابه اثار الأردن بالصفحة 19 ان التنقيبات الأثرية بالمنطقة كانت مخيبة للآمال إذ تبين ان كل مجموعة بشرية من التي تعاقبت على الموضع لتقبم به كتنت تستعمل نفس حجارة المجموعة التي سبقتها فيما ان المنطقة لم تكن مأولة بالسكان في الفترة الممتدة بين 1300 و 1900 قبل الميلاد اذ كانت خالية من السكان وهو ما يضع المطابقة الاعتباطية التي قام بها من أراد أن يعثر على الحجر بتل ذبيان لمجرد التشابه في الإسم بين ذبيان و ديبون المذكورة بالتناخ على شرق ها-يردن عند اتجاه موسى ومن سار وراءه بعد انقضاء التيه الى الأرض التي تقطر لبنا و عسلا .

يذكر السرد التناخي عند وصفه لأرض المؤابيين بكونها ارض شاسعة جيدة المرعى و تمتد من وادي ارنون الى بني عمون و بها عديد المدن وهي عطاروت و ديبون و حشبون و شبام و نبو و بعون و عروعير وجميعها على غرب جبل جلعاد وعلى شرق نهر ها-يردن وعليه فانه و لصواب المطابقة الطوبوغرافية على منطقة تل ذبيان و ما حولها لا بد من العثور على خرائب عديدة بها استيطان قبل القرن ا14 قبل الميلاد و استمر بها الإستيطان الى القرن التاسع قبل الميلاد و بالإستقصاء حول الخرائب المحيطة بتل ذبيان و التحقق من وجود آثار تتعلق بقوم اسمهم المؤابيون فلا يقع العثور على خربة تفيد بهذا التخمين غير ان هذا المعطى غير متوفر كما ذكر لانكستر هاردنج في كتابه آثار الأردن لعدم العثور على ما يفيد بأن المنطقة قد كانت مأهولة من 1300 الى 1900 قبل الميلاد .

ولو سلمنا بالمطابقة الجغرافية للأدبيات المسيحية و الصهيونية كما جاءت في موقع الأنبا تكلا هيومانوت فإننا سنجد حاجزا مائيا متمثلا في البحر الميت بين عاصمة مملكة يهوذا أورشليم و بين مملكة إسرائيل السامرة التي تقع بجبل افرايم غرب نهر ها-يردن فيما ان السرد التناخي لما يذكر الأحداث و الحروب و المعارك التي جدت بين الطرفين لا تشير و لو تلميحا الى وجود حاجز مائي بينهما يتمثل في بحر مثل البحر الميت انما يذكر السرد التناخي وجود تضاريس أخرى غير ما يشبه البحر الميت و حتى بحر الملح المذكور في التناخ وهو بحر العربة لا يأتي ذكره عند السرد التناخي بين المؤابيين و بني إسرائيل في الأحداث التي حصلت بينهم فيما يستخلص إجمالا أن بحر الملح يقع قرب النقب من جهة الشمال وذلك من خلال المعطيات المذكورة عنه في السرد التناخي .

و تشتد الريبة حول موضع العثور على حجر ميشع من الخط المنقوش به هذا الشاهد الإيبوغرافي لكون الخط الفنيقي الذي كان يخط به بني إسرائيل و من حولهم به قبل السبي البابلي ثم ركنوا بعده الى الخط الأشوري المربع المعروف بالخط العبري فان هذا الخط لم يعثر عليه على نقوش مخطوطة به غرب البحر الميت و غرب نهر الشريعة /الأردن انما عثر على نقوش به على سواحل البحر الأبيض المتوسط وهو بحر موري قبل في ذلك العصر اذ وجدت النقوش بمواقع التواجد الفينقي شمالا و جنوبا و غربا و شرقا بالمصارف الفنيقية و بالمقابر الفنية من قادس جنوب شبه الجزيرة الإيبرية و لكسيوس على المحيط الأطلسي بالمغرب الأقصى حاليا و في وهران و شرشال و اوتيكا وقرطاج وحضرموت و لبدة و في الشمال بمالقا و سردينيا و صقلية و مالطة و كريت و قبرص و صيدا و صور و جبيل و لم يذكر الباحثون في التاريخ الفنيقي انه تم العثور على نقش بالخط الفنيقي على شرق نهر الشريعة / الأردن أو على غرب البحر الميت كما لم يقع العثور باللقى الأثرية حول منطقة تل ذبيان على نقوش أخرى بالخط الفينقي بما يجعل نقش حجر ميشع غريبا بالمنطقة يصيبه اليتم وهو ما يزيد الريبة حول حكاية العثور على الحجر بمثل المنطقة المحيطة بتل ذبيان شرق البحر الميت .

و يفيض التناقض بالإمعان في تضاريس منطقة تل الذبيان الواقعة شمال وادي الموجب الذي يتكون من صخور رسوبية ولا يوجد حوله شقوق او مخاريط لتدفق الصهارة من بطن الأرض و تحولها حمما في شكل حجارة بازلت بنية اللون اذ لا وجود لنشاط بركاني بالمنطقة فيما يوجد حجر البازلت اسود اللون بعيدا عن تل الذبيان نحو الشمال الشرقي بما يجعل مثل حجر ميشع بمنطقة تل الذبيان غريبا يتيما عن جيولوجيا منطقة وادي الموجب و هو ما يفيد بتهافت حكاية العثور على حجر ميشع بتل الذبيان .

و عليه فإن المطابقة الجغرافية لتخوم الأرض التي تقطر لبنا و عسلا اعتمادا على مجرد القول بالعثور على الشاهد الإيبوغرافي المتمثل في حجر ميشع المؤابي بتل الذبيان بناء على مجرد وجود التشابه مع اسم مدينة ديبون التي كانت واقعة في ارض المؤابيين و التي سيطر عليها بعد الغزو وراء يوشع بن نون سبطي جاد و راوبين لكونها واقعة على شرق نهر ها-يردن بكونها موضع تل الذبيان الواقع شمال وادي الموجب و شرق البحر الميت فهي مطابقة اعتباطية متهافتة لا دليل ولا برهان يدعمها وهي التي قد تبدو مقبولة في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر مع تنامي حمّى الاستكشاف الأثري من المنقبين الأوروبيين سواء من تجار الكنوز او من الباحثين عن المعرفة غير انها لا تصمد معرفيا بمنهج الاستقصاء العلمي خاصة وان حجارة البازلت لا توجد بالمناطق المحيطة بتل الذبيان و هي الحجارة المتواجدة بكثرة في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية علاوة على عدم وجود أطلال أو خرائب تتطابق و كثرة المدن المذكورة بالسرد التناخي في الأحداث التي حدثت بين المؤابيين و بني إسرائيل كل ذلك مع عدم العثور على نقوش أخرى بالخط الفينقي بالمنطقة فيما وقع العثور على نقوش بالخط الهيروغليفي على غرب البحر الميت و نهر الشريعة بما يفيد ان المنطقة قد كانت واقعة تحت سيطرة الدولة الإيجيبتية الامر الذي يثبت كذبة العثور على نقش ميشع المؤابي على شرق البحر الميت . الجغرافية عصية عن التزوير و يكفي الإستقصاء المعرفي المنهجي لتسقط الأكاذيب الإستعمارية و من غابت عنه الجغرافيا فقد راوغه التاريخ .