بعيداً عن روايات الحديث المكذوبة في الكثير منها. وبالنظر إلى أن أخبار التاريخ لا تحل محل الدين الذي ليس له مصدر إلا مصحف كتاب الله فقط. لأنه ما على الرسول إلا البلاغ المبين، حتى لا يتحجج علينا مشرك بالله من المثنوية الذين يشركون النبي في الدين مع الله. والنبي لم يقدر أن يحرّم على نفسه إذ عاتبه الله علي ذلك في سورة التحريم. فإن النظر الفقهي في مسألة عقد المتعة يقتصر على ما في كتاب الله فقط.
لم نجد في كتاب الله ما يفيد دونية المرأة في مقابل المرء كما هو الحال في كتب يهود. ولا نجد حكاية الضلع الأعوج التي يراد منها تمجيد الذكر في مقابل الأنثى، بجعل الذكر مصدر الخلق في حين أن الأصل في نظرية الخلق أن الأنثى هي الأصل بداية من النفس الواحدة، ثم التسوية. إلى حين جعل آدم كفصيلة بشرية خليفة للجبلة الأولين. فكان الاصطفاء له من بين زمرة الفصيلات البشرية الباقية، والتي لم تكتمل تسويتها. إنما اقتربت من فصيلة آدم، فصيلة زوج آدم فقط. وبقية الفصيلات الستة الأخرى على بهيميتها. لذلك كان النهي عن الأكل من الشجرة.
والأنثى فيسيولوجياً وجينالوجياً هي الأصل. وإلا لما كان للذكور أثداء. وتسير ميثولوجيا الإنسان الأول على هذا المعطى، مع تصويره مجازياً وترميزياً بأسلوب أحيائي. في العديد من المجتمعات ولا يشذّ عنها في ذلك، إلا المجتمعات اليهودية التي قتلت “الربّة” القمرية، الأم “إنانا” في مقابل إحياء “الرب” الشمس “آوتو”. بعد إخصاب الربة عشتار الزهرة، فكانت أم أبيها الشمس، وذلك مع بداية حقبة ممارسة الزراعة. فتحولت المجتمعات الأمومية إلى مجتمعات أبوية بطرياكية، وانطلقت حقبة التعامل مع الأنثى على أنها ليست إنسان، إنما بهيمة إسوة بامرأة قايين وامرأة شيث في سفر التكوين.
لم تتغير هذه النظرية الدونية مع ظهور الأسفار التي كتبت من بعد موسى. إذ بقيت المرأة الزوجة محرومة من الإرث وليس لها إلا نفقة عمرية من التركة. فيما لا ترث البنت منفردة أو البنات إن تعددن إلا بشرط نكاح بني اعمامهن (يراجع سفر العدد عن ميراث بنات صلفحاد).
وحتى الكنيسة المسيحية لم تقم بأي تنقيح إلا بعد ظهور القانون الروماني على يد جوستنيان، في القرن السادس ميلادي. بجعل أحكام الإرث هي أحكام الدولة، وليس ما في أسفار العهد القديم. بينما نزل كتاب الله واضحاً صريحاً فصيحاً وعربياً في جعل نصيب الإناث محميا من التلاعب والالتفاف. لكونه حداً من حدود الله، لا يقع الاقتراب منها.
واتضح بالنظر لجعل نصيب الأنثى الزوجة فريضة، أن الفرق بين الزوجة والبغي هو الحق الاجتماعي في الإرث. إذ ترث الزوجة، والبغي لا إرث لها. رغم أن النكاح عقد والبغاء عقد أيضا.
وعقد البغاء هو الذي يتفق بمقتضاه ذكر وأنثى على التلذذ بجسم الآخر في مقابل دفع مقدار متفق عليه من المال مسبقا.
وطالما كان عقد النكاح ميثاقاً غليظاً، وأن الزوجة لا ترث نصيبها الفرض إلا بعقد نكاح كامل الأركان والشروط والأوصاف. إذ لا ارث للزوجة بعقد نكاح فاسد لبطلانه. لأن العقد الباطل للزوجة لا عمل عليه عند قسمة التركة، فيما ينتج بقية آثاره الأخرى.
وطالما أن نكاح ما ملكت الأيمان هو عقد نكاح، فلا فرق بين الزوجة في كلا العقدين، إلا عند اقتراف سوأة الفاحشة فيما لا فرق عند الإرث.
ولما كانت أحكام ما ملكت الأيمان أحكاما انتقالية لتسوية الوضعيات العالقة بعد تحريم السبي، والاسترقاق بالآية 33 من سورة الأعراف، لكون هذا الفعل بغي بغير حق، فإنه قد كان من الحتمي أن يقع الامتناع والكفّ عن استمرار حالة “ما ملكت ايمانكم”. لكونها عبارة تفيد حصول الفعل في الماضي، وليس الحاضر ولا المستقبل.
فإن التحايل الاشتراعي عليها من كهنة فقه شرعنة الواقع، الذي لم يتخلص ممن رواسب شريعة يهود التي تبيح فتيات الغوئيم / الاغيار (الأمّيين). فقد تم الإستمرار على السبي للفتيات مع وطئهن دون عقد حتى تحت نظام جواري الحرملك. وهو فعل محرم في المجتمعات السنّية.
فيما ظهر تحايل اشتراعي محتشم، يحاول التماهي مع ما في الكتاب من المقتضيات، وتجنب ما فيه من نواهي. بجعل عقد النكاح المحدد المدة (والذي لا حكم يمنعه في كتاب الله) في وضع فتيات ما ملكت الإيمان بموجب ما تقبضه من أجر. في مقابل تنازلها المسبق عن الحق الاحتمالي في الإرث لو توفي الزوج أثناء مدة العقد. وذلك لاستبطان فقهاء الشرعنة هؤلاء حكم عدم ميراث المرأة في نكاح ما ملكت الإيمان، والحال عكس ذلك من كتاب الله بالنظر لكون هذه المرأة قد أحصنت بالعقد. ولها الحق محاصصة الزوجة أو الزوجات عند التعدد معهن في الإرث، لمناب بالتساوي معهن من نصيب الزوجة.
ومع نظر فقهاء شرعنة عقد المتعة للمرأة المتمع بها على كونها من فتيات ما ملكت الإيمان، فقد أسقطوا عنها الحق في الارث بموافقتها على ذلك عند إبرام العقد. وهي مذعنة وجعل نفسها مما ملكت الإيمان، بمجرد قبضها الأجر في محاكاة لشراء فتاة سبية ليكون الأجر في محل ثمن الشراء.
ولم يغب عن فقهاء الشرعنة إيجاد مرتكز من كتاب الله لإضفاء “الشرعية” على عقد البغاء، بتسميته خداعا بعقد نكاح المتعة. اشتقاقاً من عبارة “فما استمتعتم به منهن”. والانطلاق من معطى دارج في المجتمعات اليهودية أن المرأة ليست إنساناً. وهي مثل أتان أو العربة أو المحراث بالبيت.
والجدير بالتنويه أنه علاوة عن تعضية عبارة “فما استمتعتم به منهن” وبترها عن سياقها الخاص والعام، فإنه يقع فهمها “فما استمعتم بهن”. وكأن فرج المرأة مجرد متاع مثل من يكتري عربة مع أتان في موسم فلاحي لنقل المحصول.
ولو كانت العبارة بالاية 24 من سورة النساء هكذا.: “فما استمتعم بهن” لجاز اعتبار المرأة متاعا لكن الآية تشير إلى متاع من المرأة في الهاء كضمير متصل في “به”.
ولا خلاف بالاعتماد عليه ترتيل جذر “م ت ع” في كتاب الله، أن المرأة ليست متاعاً. إنما هي صنو المرء، وأن تسمية عقد البغاء بنكاح المتعة، لا يجعل منه عقد ميثاق غليظ. إذ العبرة ليست باسم العقد، إنما بالاتفاقات المضمنة به، والآثار الناتجة عنه. لأن معيار التفرقة بين المرأة الزوجة والفتاة البغي، هو حق الزوجة المفروض من كتاب في الارث لكونه من حدود الله.
وأما في حالة لا توارث بين ملَّتين التي اشترعها الفقه، فإن الزوجة الكتابية قد ترث إن أصبحت من ملة الذين آمنوا لعدم تنازلها المسبق عن حقها الاحتمالي في الارث كزوجة.
المجتمعات اليهودية تنظر للمرأة كمتاع لذلك حصل التأثر الفقه الشيعي من بعد التثاقف مع يهود على بلاد فارس، التي تسمت على اليهود الفريسيين.