صادق و صدّيق

صادق و صدّيق

لم تسلم رسالات الأنبياء من التحريف بالزيادة أو النقصان في الكتاب بعد موتهم. أو الزعم بخلافتهم في مقام الرسالة. وخاصة من الذين كانوا حولهم أو قريبين منهم بصحبة، إلا ما رحم الله.

مثل العبد الصالح إسرائيل الذي كان قريباً من النبي إبراهيم؛ غير أن بعض ذريته قد فعل الأفاعيل من بعده، وحرّموا ما حرم إسرائيل على نفسه، من غلبة نزعة شدة تقديس الآباء من السلف. حتى وقع هجر الكتاب بنبذه وراء الظهور، واتباع ما وجدوا عليه آباءهم، ولعنهم الله على لسان داوود وعيسى رغم تفضيلهم على العالمين بعد حين.

ولئن قفز عزير الكوهين كاتب أسفار التناخ في كتاب العهد القديم، عن الفترة بين النبيين يوسف وموسى ولم يتعرض لها ولو بالإشارة، فإن ظهور ديانة البرهمن في شبه الجزيرة الهندية، قد كان في تلك الفترة مع أتباع كتاب صحف إبراهيم “الفيدا” أي الحقيقة.

غير أن تلك “الخراف الضالة” من بني إسرائيل قد جعلوها تلاميد “الفيدا” الثلاثة بدل كتاب واحد، مع تجسيم منهم لصور الله الخالق واتخاذهم العجل رمزا للخصب.

كما فعل غيرهم ذلك في بلاد الجبت مع العجل “أنابيس”، الذي اتخذه السامري إلهاً لبعض من تبع موسى من بني إسرائيل، لما واعد الله موسى أربعين ليلة للصيام بالجبل.

ثم عبد الخلف من بعدهم ما وجدوا عليه آباءهم، واتبعوا “شريعتهم” مع جعل أخبار “الآباء المقدسين” دينا لهم، بدلاً نهلِ أحكام الدين من الكتاب. وامتدت القداسة لبعض البشر ممن كانوا حول الأنبياء أو زعموا خلافتهم في الدين، بالتصدي واحتكار للكلام باسم المقدس خدمة للمدنس.

وقد خلف يشوع النبي موسى بعد موته، وقاد مسيرة العودة لأرض “الميعاد” عند انتهاء بلاء التيه في الصحراء، بجريرة إحجامهم عن دخول الأرض المقدسة. وزعم يشوع “خلافة” موسى النبي في مقام الرسالة، وأحرق ونهب القرى التي اعترضت طريقه.

وقتل الأغيار وهم “الجوئيم” أي الأمّيين من أهل تلك القرى دون الصبايا الأبكار، وفرضوا على من كان لهم الحظ بالصلح معهم، “خراج الجزية”؛ بما جعل من أعمال يشوع دينا يتبعه الخلف اقتداءً بالسلف من بعدهم! رغم مخالفة ذلك لكتاب صحف إبراهيم وموسى من تحريم البغي بغير حق.

ولئن لم يجعل شاؤول الطرسوسي، من بعد اختفاء عيسى، من رسالته ذات طابع عدواني، فإنه أسقط تكاليف كتاب موسى، ونبذ وراء الظهور كتاب يحي (المُتّبع من الصابئين) و الذي أحل الله فيه للذين هادوا من ذرية يعقوب ومن تبعهم من بنى إسرائيل بعض ما حُرّم عليهم بظلمهم.

فيما أعاد شاؤول، هذا المواطن الروماني اليهودي الفريسي والحراني، رسكلة بعض تراث معبد سين وأرتميس لليونانيين من الإغريق، والذين انحرفوا بدورهم بعد النبي يونس من انشغالهم بتجسيد الملأ الاعلى، في صور مع حياكة التعبيرات الأسطورية المخيالية والترميزية المجازية، بعد أن تسمى اليونان بالنبي يونس كما تسمى قبلهم البرهمن على إبراهيم.

ثم تسمى الأنصار لعيسى من الذي اتبعوا سنّة بولس الرسول، بعد أن أبدل اسمه شاؤول، بالمسيحيين نسبة للمسيح كريستن / كريشتن / قريشتن. واتبعوا رسائله التي طمست الإنجيل وكتب يحي وموسى، والتي أُلحقت بأسفار السيرة الأربعة الموصوفة بالقانونية بعد مجمع نيقيا.

وأصبح عدو أنصار عيسى قديسا “رسولا” بمجرد أن أخبر من حوله بمنام يقظة زعمَ كذباً فيهِ أنه رأى عيسى بن مريم الذي أعاد له بصره.

وقد أقام القديس بولس الرسول جماعة “أي كنوسس” الإغريقية مستغلاً قربه وصحبته من الحواري سمعان الصفا المعروف بالقديس بطرس. فيما انطلقت أرهاصات عبادة عيسي/ يسوع من إسقاط ملامح معبود اليونانيون الاغريق “دينو زوس” أي ابن الله على شخصية عيسي/ يسوع، فيما قام بولس بالتبشير عندهم مع تسمية عيسى بـ “كريستن”.

كما هو اسم إبن الله في ديانة البرهمن كريشتن والذين كان قريشتن لِـ”قريش” على ديانته مع مزج ذاك بجعل الملائكة من بنات هبل / بعل وعبادتها، واتخاذ الموريات الثلاث اللآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى شفعاء لهم ليرسل عليهم بعل / هبل الماء في استعادة لدين عقيدة الخصب العشتارية.

ولم يختلف عتيق التيمي الذي أبدل اسمه من عتيق إلى أبي بكر (بجرّ الباء) فيما لا يعرف له ولد باسم بكر ليتكنى به (أو لعله تكنى بولد الجيران!) عن السير بعد موت النبي محمد، وبعد استيلائه على إمارة الدولة في انقلاب السقيفة على الدولة المدينية، التي تركها النبي مع دستور الصحيفة، وخرق صريح لحكم الله بالشورى الملزمة؛ ليجعلها دولة جماعة دينية أي دولة كنوسس، تقوم على عصبية الجماعة والقبيلة والنظر للآخر على أنهم أغيار ليس عليهم من سبيل لأنهم من الأمّيين الجوئيم بقاعدة “من ليس معنا فهو عدو”.

ولم ينتظر عتيق التيمي طويلا إذ خلع على نفسه لقب “خليفة رسول الله”! هكذا دون خجل. وهو الذي لم يتنزل عليه الذكر الحكيم وحياً!

والحال أنه خلف أمير الدولة ببيعة مشوبة بالبطلان ثم كذب عن النبي بما رواه على لسانه من قوله: “نحن معشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة”، لينزع ويسلب انتفاع السيدة فاطمة من حائط فدك، بسبب امتناع الإمام علي من بيعته بيعة إذعان للأمر الواقع الذي دبّره حزب إيلاف قريش. وقام بتجهيز إحدى عشر جيشاً أرسلها لجباية مال شعيرة إخراج صدقة زكاة المال.

والحال انها احدى شعائر الإيمان، ولا إكراه في الدين؛ في خرق صريح منه لحكم الله في إكراه الناس على الإيمان. ولم تكن هذه العملية العسكرية إلا اجبارا للقبائل التي رفضت إرسال البيعة لحكومته الانقلابية ببيعة الإذعان. كما هو الحال عند بيعة الملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوه فيها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون.

وقد فعلت جيوشه الجابية ما فعله يشوع بن نون في القرى التي اعترضت نظيره من صحراء التيه إلى بيت إيل قرب شكيم. فسبت الإناث والذراري، وجبت صدقة مثل الزكاة على شريعة عتيق التي لم ينزل الله بها من سلطان في الكتاب. إنما أعاد عتيق تعشير حق الحصاد كما ورد في شريعة يهود التناخ بسفر التنثية [ 14: 12].

فيما جعل إخراج غنيمة بهيمة الأنعام في حدود ربع العشر، وابتدع بدعة النصاب الذي لا إخراج لمال عليه، كما فيما روي عن كتاب أرسله مع أنس بن مالك للبحرين والذي تم توثيق خبره في “التلمود” المنسوب للبخاري [رقم 1454].

والحال أن إخراج مال الغنيمة على ما رزق الله المؤمنين في بهيمة الأنعام هو الخمس وكذلك حق الحصاد لأنه الحق المعلوم. وقد خالف في هذا ما أسقطه شاؤول من إخراج صدقة مال الزكاة على أتباعه من القريشتن/ الكريستن، بجعل مقدار الإخراج باختيار كل شخص على حدة.

وفي المحصلة فقد أعاد عتيق، قاعدة التعشير التي كان عليها الأحابيش من أعراب قريش وكنانة، ومن تبعهم من أهل الحُمس، قبل أن يبلى نعل النبي!

ورغم أن عتيق التيمي، لم يذكر في أي خطبة له، إنه قد كان صاحب الغار مع النبي إلا أن من اتبعوا جماعته/ الكنوسس قد كذبوا بجهل منهم بجهلهم لما ورد في آية الغار بسورة التوبة. وأبدلوا صاحب الغار وهو دليل الطريق عبد الله بن أريقط بن بكر الكناني بعتيق التيمي.

ولعل هذا من أسباب إبدال إسم عتيق لكنية أبي بكر (بجرّ الباء) وإظهار أن معيار الصحبة يحجب بقية معايير الفضل الخمسة في اختيار أفضل الفضلاء لمنصب الأمير. باعتبار عدم منافسة عتيق للإمام علي فيها الخمسة وهي: العلم / التقوى/ الحكمة/ الشجاعة / القيادة.

ولم يتوقف التزوير عند هذا الحد، إذ أطلقوا عليه لقب “صدّيق” في إسقاط قميء للقب النبي يوسف، ولصفة كل من النبي إدريس وإبراهيم. مع ترديد أتباع كنوسس عتيق وجماعته عن النبي محمد، بانه مجرد صادق فقط! بينما عتيق التيمي صدّيق! عجبا كيف يعقلون!!!

وبذلك جعلوا إظهار صفة التشبيه بالصدق لعتيق مستمرةً دائمةً في الوقت، في حين جعلوها متراوحةً في الظهور مع خاتم الأنبياء وهو الذي كان صادقاً مثل النبي إسماعيل.

ولعل كذبة عتيق في مسألة فدك، وملاحقة هذا الوصف له قد جعل كهنة كنوسس الجماعة يعقون في مطب أكثر من خلع لقب صديق على عتيق لكونه قد “صدّق” النبي محمد في أم القرى عن رحلة الإسراء والمعراج! والحال أن المعراج خرافة وما أنزل الله بها من سلطان؛ في حين أن الإسراء قد كان للنبي موسى بما يثبت من كتاب الله مصدر اليقين إنما كان للنبي محمد الرؤيا/الفتنة فقط.

وأنه حتى لو سلمنا جدلاً، بتصديق أكذب حديث رواه أبو هريرة شيخ المضيرة الكذاب، فإن التصديق في لحظة ما من سيلان الوقت لا يجعل صاحبه صدّيقا، تظهر الصفة المشبهة عليه باستمرارٍ وديمومة.

كما هو الحال مثلا مع النبي يوسف وما أبعد الثرى عن الثريا بين يوسف بن يعقوب وعتيق بن أبي قحافة!

وما روته عائشة (أو نسب إليها من الحكواتية) مختلف لما هو يقين من كتاب الله، خاصة وقد نهى كتاب الله عن تزكية النفس، والا يتصور أن يخلع النبي محمد لقب صديق على عتيق، لما يجعله يخالف ما نهى عنه الله في الكتاب.

فيما أن فِرية أن عتيق قد كان أول ذكر من الرشداء قد آمن وصدّق برسالة محمد لما أمره الله بإنذار الناس، كما ورد في سورة المزمل فإن آية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ/ الشعراء 14. إذ إن العشيرة الأقربين من أوائل من اتبعوا النبي محمد، يكونون الزبير وعثمان وطلحة وعبد الرحمن وسعد. فهؤلاء من معد العدنانية، بينما عتيق من تيم القرشية. دون أن ننسى ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية [ج :3 / ص:37] من أن خبر اتباع عتيق لمحمد قد كان بذهاب عتيق لمحمد لسؤاله عن سبب تركه آلهة أهلل الحُمس من قريش بما يخالف أن يكون النبي محمد هو من ذهب لإنذار عتيق.

وذلك دون أن نغفل على غرابة ما أورده ابن كثير من تولى عائق الخطابة بالمسجد الحرام عن الجهر بالدعوة في استدعاء دور النبي هارون مع موسى والحال أن النبي محمد لا يشكو من طلاقة اللسان مما عند النبي موسى!

ولم يكتف الحكواتية من تضخيم المرويات عن عتيق. ولم يكفهم إسقاط شخصية يوسف وهارون. فقد أسقطوا على عتيق هذا بعضا مما فعله النبي إبراهيم مع أصنام قومه ويكون لم يسجد لصنم قط.

والحال أنه كان صاحب الأشناق والديات في الملأ من قريش بما يقع معه رد هذه الحكاية التي وردت في كتاب محمود شاكر الخلفاء الراشدون. والذي أورد فيه حكاية تدعو للضحك فقط، من كون عتيق قد رأى مناماً لما كان بتجارة له في الشام فارتخل للرعب النسطوري بحيرى الذي عبّر له الرؤيا، بمبعث نبي في قريش. لذلك بقي عتيق ينتظر قدوم هدا النبي؛ والحال أن هذا الأمر قد حصل مع أبي طالب لما اصطحب النبي صبيا معه إلي الشام.

وأسقط هؤلاء الحكواتية على عتيق حكاية منام شاوول الطرسوسي دون أن يغفل السيوطي في تاريخ الخلفاء[ص:48] أن يذكر أن عتيق لم يرى الخمرة قط في حين مجدي فتحي السيد في كتابه “سيرة وحياة الصديق” [ص:34] من حديث عائشة إن عتيق قد حرّم الخمر على نفسه كما حرّم إسرئيل بعض الطعام على نفسه.

لذلك سار أتباع كنوسس/ جماعة عتيق، على مثل ما حرّمه مع عتيق على نفسه، و لم ينتهوا عمّا نهي الله عنه في الآية 116 من سورة النحل. 

عجبا لمن يكذبون جهاراً، ويزكون أنفس بعضهم بعضاً بعد أن نهى كتاب الله عن ذلك. ويفترون الإفك والكذب وقول الزور بما يفضونه بعضهم لبعض غروره من زخرف القول، ليجعلوا عتيق التيمي صدّيقا، بينما محمد خاتم الأنبياء الذي كان على خلق عظيم مجرد صادق.

والحال أن عتيق قد أحرق الفجاءة السلمي بالنار مقموطاً كما أورد ذلك جمهور الإخبارين على شريعة اليهود الخسيديم، مثلما فعل اليهودي “يوسف آسار” الذي أحرق أصحاب الأخدود بالنار نجران. كما فعلها الخسيديم قوم إبراهيم عند رميه في النار بعد جعله أصنامهم جذاذا.

ولئن جعلها إبراهيم كذلك وهو النبي الذي نحن على ملته، فإنه يتجه جعل الأصنام البشرية جذاذاً، وهكذا يفعل من يصدعون بالحق.