بقيت الكنيسة من بعد مجمع نقيا ( 325 ميلادي) تتحسس خارطة خروج موسى و العودة من التيه على ضوء مزاعم فلافيوس جوزيف ( يوسف بن متاتيا) المؤرخ اليهودي المترومن في كتابه حوليات يهودية بعد جعله أرض كليسيريا من النهر إلى البحر هي أرض كنعان التي كان الخروج إليها…
وقد سار على ذلك جميع من اتبع اطروحات الكنيسة حتى الاخباريين التراثيين من المسلمين و انتهى الأمر بتبني الحركة الصهيونية لذلك بعد تراجع الصهاينة عن اقامة كيانهم باوغندا وكينيا أو بالارجنتين….
و لعل شدة التناقضات الكامنة بخارطة الكنيسة عن رحلة خروج موسى و غياب الشواهد الاثرية على ذلك مع غياب أحداث الخروج عن الحوليات الايجبتية و من قبلها حكاية يوسف التناخية هو الذي جعل من تصدوا لنقد حكايات التناخ بالكتاب المقدس سواء من باب طلب المعرفة أو من أجل التحضير لزرع يهود اوربا و الشتات في أرض كليسيريا المسماة فلسطين منذ اتفاقية سايكس بيكو فقط إلى قيامهم بزيادة بذل الجهد في أعمال التنقيب و الحفريات من أجل الحصول على شواهد اثرية ايبوغرافية تبرر مزاعم المؤتمر الصهيوني الأول في العام 1897 وما يخفيه من مطامع امبريالية بالمنطقة في النصف الثاني من القرن 19 و بداية القرن 20….
و من الشواهد الايبوغرافية المشاعر إليها آنفا فقد تم العثور على حجر ميشع كما قيل من أحد المبشرين الألمان بمدينة ايلياء ( القدس) والذي يدعى فردريك اوغست كلاين في العام 1868 بمنطقة ذيبان شرق البحر الميت.
و حجر ميشع هو حجر بازلتي اسود منقوش عليه النص بخط من الابجدية الفنيقية يروي فيه الملك ميشع بن كموش انتصاره على مملكة السامرة وعلى ابن عمري ملك اسرائيل بعداضطهاد شعب مؤاب كما ذكر به تعهده بصيانة الطريق التجاري واحداث معركة الانتصار…
و لئن ذكرت اسفار التناخ ثورة مؤاب على ملوك السامرة فهي لم تسهب في ذكر أحداث هزيمة مملكة السامرة و التي كتب عنها ميشع في الحجر إنما ذكرت حصول تحالف مع مملكتي يهودا و أدوم من أجل تأديب ميشع و حصاره ودون حصول اشتباكات بين الطرفين….
و بقطع النظر عن التضارب بين حجر ميشع و بين حكايات التناخ عن الملك الذي هزمه ميشع و الذي من المفترض ان يكون اخاب بن عمري طبق النقش فإن حكايات التناخ تذكر الثورة من مؤاب على السامرة دون ذكر الملك الذي حصلت في عهده كما حدا بدائرة المعارف الكتابية الكنيسة للقول بأن تلك الثورة كانت في عهد اخزيا ابن اخاب بن عمري فيما جاء في التناخ ان يهورام ابن اخاب الذي ت لى الأمر بعد أخيه اخزيا هو من رغب في تأديب ميشع ملك مؤاب الذي عاصر الملك الاشوري شلمنصر الثالث الذي أجبر في 841.حزائيل ملك ارام ومعه يهورام ملك السامرة على دفع الجزية له كما تفيد بذلك النقوش الاشورية وخاصة المسألة السوداء و لعل ميشع قد ثار على السامرة بعد انها ه فرصة ما بعد هزيمتها على يد الاشوريين …
و مما يلفت النظر حول كيفية العثور على حجر ميشع هو الغموض حول القبيلة البدوية المقيمة شرق البحر الميت وعلى الأقل اسم زعيمها أو شيخها اذ لا اثر لهذه المعطيات وعلاوة على ذلك فإن منطقة ذيبان لا تعرف بمنطقة طفوح بازلتية ليستخرج منها الحجر فيما يتواجد مثل هذا النوع من الحجر في جنوب المملكة الهاشمية و في الشمال الشرقي لها وهي مواقع بعيدة عن ذيبان التي يريد البعض جعلها عاصمة مؤاب ديبون غير انه فاتهم انها ستقع في قسمة سبطي راوبين و جاد و التي كانت أرض رعي بما يفيد اتساعها و امتدادها كل ذلك مع التجاوز عن مغالطة جعل نهر الشريعة هو نهر الأردن و التجاوز كذلك عن اشكالية بحر كنروت الواقع شرق نهر يردن….
و لا تفوتنا الإشارة إلى كون حجارة الطفوح البازلتية تمتد مع امتداد سلسة جبال السراة وصولا إلى آخرها في عدن باليمن مرورا بأرض نجد العليا المحاذية لجبال الحجاز بما يمكن معه ان يكون معه حجر ميشع قد تم استخراجه من إحدى حرات الطفوح البازلتية جنوب ذيبان و وصولا نحو اليمن…
لعل اهم مأزق يعترض خارطة الكنيسة ومع التجاوز عن ما يلف سلسلة ملوك ارام من غموض هو حملة زراح الكوشي على مملكة يهودا في زمن آسا بن ابيام في بدايات القرن 9 قبل الميلاد و التي كانت بعد قرابة حوالي 30 عام من جملة شيشق ملك مصراييم على مملكة يهودا اثر موت سليمان و تولي ابنه رحبعام و انقسام المملكة إلى مملكتي يهودا و السامرة و كان من اثرها ان تم نهب اورشليم ….
و يشتد التناقض بخصوص خارطة الكنيسة عن رحلة الخروج وجعل مدينة ايلياء هي اورشليم من حملة زراح الكوشي الذي يكون من شعب إثيوبيا ان يعمد إلى القيام بحملة تعدادها مليون جندي من ارضه نحو ايلياء لحصارهاو نهبها كما فعل شيشق من قبله بما يستلزم علي عبور أرض كميت و ارض ايجبت معا ودون ان يتدخل أوسركون الثاني ملك ايجيبت من عاصمته تاتيس الواقعة شرق جلتا النيل كل ذلك مع غياب المنفعة من مثل هذه الحملة باعتبار ان من وراءه مليون حمدي يمكنه نهب مملكة ايجيبت فهي انفع له وذلك في ظل تراجع قوة مملكة ايجيبت في عهد أوسركون الثاني فيما كان يسهل عليه عبور جنوب البحر الأحمر ….
من غابت عنه الجغرافيا فقد راوغه التاريخ لذلك كان من الضروري السير في الأرض للنظر بدل اجترار حكايات تدحضها الجغرافيا قبل الاركيولوجيا طالما استخلص فنكلشتاين في كتابه أرض التوراة مكشوفة عن عدم عثوره على مباني دولة سليمان في أرض كليسيريا اي فلسطين حاليا و ذلك بعد أن قام بمسحها ستراتوغرافيا…..