السير في الأرض للنظر عند القيام بالمطابقات الطوبوغرافية على الجغرافيا عند اقتفاء المواقع لما بلغنا من الحكايا عن خروج بني إسرائيل وراء موسى فرارا من فرعون يقتضي التحقق من موقع انطلاق الرحلة ثم من المسار الى حين الوصول نحو الهدف .
و المنطلقات المغلوطة تورث المطابقات الطوبوغرافية على الجغرافية التخبط و التهافت و الاعتباطية في النتائج المتحصل عليها بما تتضخم معه الكذبة مثل كرة الثلج و يسعى الواهمون للبحث عن الأثار في الأرض الغلط.
و المتأمل و المتفحص للخرائط المتوافرة بالدوائر المعرفية المسيحية مع ما يرافقها من شروحات يلمس بسرعة مدى التخبط في المطابقات الطوبوغرافية على الجغرافية مع بسط تخمينات عدة دون ترجيح الأكثر اقترابا من مضمون الحكايا .
يذكر سفر الخروج ان بني إسرائيل قد تاهوا عن طريق أرض الفلشتيم وساروا عكسه نحو برية “سوف ” مرورا ب”إيثام “ثم “فم الحيروث” بين “مجدل” و البحر امام “بعل صفون ” حتى استغلق عليهم القفر مع مشاهدتهم لعمود النار ليلا و عمود السحاب نهارا ثم جاوزوا البحر واتجهوا نحو الشرق فصار عمود النار و عمود السحاب وراء ظهورهم ثم ساروا في برية “شور” متجهين نحو أرض الفلشتيم التي تاهوا عنها من قبل و ذلك مرورا ب”مارة” و “إيليم” في برية “سين ” و البحر الكبير على الغرب من مسارهم وصولا الى “رفديم “المحاذية لجبل حوريب بما يفيد انعطافهم شرقا اين ضرب موسى الصخرة فانبجست منها المياه و بعد ذلك قام ببناء مذبح بالمكان ثم صعوده الجبل الذي كان ينفث الدخان و يرتجف ويغطي السحاب قمته ليأخذ من الوهيم لوحي الشريعة و هو الجبل الذي رأى فيه موسى نار العليقة تشتعل و لا تحترق و به خلع نعليه لكونه بأرض مقدسة وهو الجبل الذي عرفه لما كان يرعى غنم حمييه يثرون في اخر برية “فاران “التي بها بئر مديان و ذلك عودته لمصراييم و لقاء أخيه هارون بجبل الرب في وسط الطريق بين بئر مديان و مصراييم .
يذكر سفر الخروج سبب السفر نحو جبل حوريب ببرية “سيني”(מִדְבַּר סִינָי : مدبره سيني ) من أجل عبادة يهوه و الذبح له بالبرية(וְיַעַבְדֻנִי : ويعبدوني)كما جاء في الاصحاح 7 بالفقرة 16 و ليعبدو يهوه(עִבְדוּ אֶת-יְהוָה: عبدو ات يهوه) بالبرية ثلاثة أيام كما جاء ذلك بالاصحاح 12 فقرة 32 و تسمى الأعياد بالعبرانية حجّا .
و يجدر التنويه الى كون موقع مجاوزة البحر بعد ان اضحى قعر البحر يابسا بفعل النشاطات البركانية التي حدثت بالبحر الكبير و التي تتمثل في ظهور جزيرة من تحت الماء وهو ما يفسر مسألة عمود النار ليلا و عمود السحاب نهار و ان المجاوزة قد كانت من الغرب نحو الشرق على مسافة سير نصف ليلة ثم الانعطاف بعد ذلك للسير بمحاذاة البحر الغربي الكبير باتجاه الشمال انطلاقا من جوشن وصولا الى رفيديم ثم الانعطاف منها نحو الشرق باتجاه جبل حوريب.
و يزداد تخبط الدوائر المسيحية بخصوص موضع مجاوزة موسى ومن كان وراءه من بني إسرائيل البحر و تتعدد التخمينات فمنهم من يزعم بكون العبور قد تم بالبحيرات المرة على شرق الاسماعلية و هناك من يزعم بكون العبور قد كان من خليج السوس فيما يزعم البعض الاخر بكون العبور قد كان بالبحر الأبيض المتوسط و جميع هذه التخمينات العرجاء لا تتطابق مع وجود نشاط بركاني على الغرب بالبحر الكبير الغربي و المتمثلة في عمود النار ليلا و عمود السحاب نهارا .
ولا يخبرنا سفر الخروج عن اتجاه مسار الرحلة نحو الشمال او نحو اليمين ولو بإشارة ضمنية تسبر بالاستنباط غير انه و بمجرد تحديد موقع مجاوزة البحر فان الاتجاه قد كان نحو الشمال انطلاقا من بحر سوف وهو الخليج الصغير المتشكل من ارض القفر الذي استغلق على بني إسرائيل عند مطاردة فرعون و جنوده لهم و هذا القفر لا يعدو الا ان يكون لسانا بالبحر . فيما يفهم بسهولة ان البحر الكبير على الغرب من مسار الرحلة و بعد الوصول الى رفيديم كان الانعطاف شرقا نحو جبل حوريب الذي هو في برية سيناء מִדְבַּר סִינָי بما يفيد ان البحر الكبير يقع على الغرب من جبل حوريب . ولا يخبرنا سفر الخروج ولو بإشارة ضمنية عن موقع برية فاران التي بها بئر مديان بالنسبة لجبل حوريب وهل انها على الشرق او الشمال او اليمين منه سوى كون هذا الجبل هو في أخر برية فاران وقد سار اليه موسى لما كان يرعى غنم حمييه يثرون كاهن مديان وهو ما يفيد بكون برية فاران تقع على شرق جبل حوريب و دون بعد مسافة بين بئر مديان و جبل حوريب .
جاءت لفظة سيناء من لفظة سيني סִינָיالعبرية و تقصد قبس النار الذي ظهر فيما بين صخور جبل حوريب وفق الحكاية التناخية اليهودية بسر الخروج و كانت البرية التي حول ذلك تعرف باسم سينيه بإضافة الهاء المكانية ثم أصبحت بتعريبها سيناء وذلك بعد ابدال الهاء المكانية بهمزة و لفظة سيني العبرية من الجذر الارامي العبري سنى وله ذات المعنى في الارامية العربية .
وعند اقتفاء أثر قبس النار من بين صخور جبل حوريب وهو الجبل الذي ينفث الدخان صعد موسى اليه وحده بينما ترك بني إسرائيل مع هارون والذين انتهزوا فرصة غياب موسى بالجبل فصنعوا العجل.
ثم كان يوم الغفران المعروف بعيد كيبور في العاشر من شهر تشري وفق التقويم العبراني بما يتجه معه التقيد بهذه المعطيات عند القيام بالمطابقات الطوبوغرافية وهو ما يستلزم معه عند الزعم بكون جبل حوريب يقع في شبه جزيرة توشريت و معناها الأرض المقفرة أو الخراب كما هو اسمها بالهيروغلفية وذلك كما هو مدون بموقع أرشيف مصر أن يكون ما يعرف بجبل موسى ذو نشاط بركاني لينفث الدخان من جهة و تتدفق من بين شقوقه الطفوح البازلتية لنعثر على اثر نار العليقة او “سيني ” وهو ما لا يتطابق مع جبال شبه جزيرة توشريت الايجبتية اذ ان الخاصيات الجيولوجية لتلك الجبال لا تنفث دخان البراكين و ليس بها تدفقات لطفوح بازلتية فيما تتدفق الطفوح البازلتية من الحرّات بأرض الحجاز و اليمن .
و يجدر التنويه بكون اسم الجبل في كتاب التناخ اليهودي هو جبل حوريب ” ها – هار حوريب” הַהַר חֹרֵבָהو يعني جبل الخراب و لا يسمى بجبل الطور بينما الأرض التي حوله هي ارض مقدسة ” أدمه قداش ” אַדְמַת-קֹדֶשׁ .
و يشتد التخبط في خرائط المطابقات الطوبوغرافية على الجغرافيا بخصوص بئر مديان فلا يقع تحديده بتعلة ان الموضع هو ارض مرعى و يصعب العثور عليها بالتنقيبات الأثرية لكون المديانيين يعتاشون على رعي الأغنام وهو ما يجعل برية فاران التي يسكنها المديانيون هي بيداء تصلح لرعي الغنم وهي حسب خريطة رحلة الخروج في موقع الأنبا تكلا هيومانوت القبطي بجنوب شرق شبه جزيرة توشريت الايجبتية على غرب خليج العقبة فيما تجعلها خرائط أخرى من مواقع أخرى على الضفة الشرقية لخليج العقبة لكون بئر مديان بها وهي مطابقة اعتباطية جدا لما جاء في الاصحاح 18 من سفر الخروج عن قدوم حمو موسى يثرون كاهن مديان ومعه ولدي موسى و زوجته بعد ان سمع بتغلب بني إسرائيل على شعب العماليق و قيام موسى ببناء مذبح بالمكان بما يفيد بقرب جبل حوريب من بئر مديان و يفنّد التخمينات بخرائط الدوائر المسيحية عن برية فاران و بئر مديان .
تفيد بعض المؤشرات بعد استنطاق ما تخلله السرد التناخي على وجود حدود تضاريسية بين مصراييم و برية فاران تشكل حاجزا في وجه فرعون على مطاردة موسى بعد قتله للرجل المصري و فراره نحو بئر مدين ببرية فاران اذ لو كانت برية فاران تحت سيطرة فرعون لما فرّ اليها موسى بعد ما اقترف من سوأة بما يفيد ان مصراييم تقع بين سلسلة جبال و البحر الغربي الكبير و على الشرق منها تكون برية فاران و في اخرها جبل حوريب . .
و تجعل خرائط الدوائر المسيحية ان مسار فرار موسى بعد اقترافه السوأة ان يرحل من شرق دلتا النيل الى الضفة الشرقية لخليج العقبة وهي مسافة بعيدة لا تدعمها المؤشرات المستقاة من خلال السرد التناخي و يسهل تفنيد هذه المطابقة الطوبوغرافية على الجغرافيا بصورة اعتباطية بكون الدولة الايجبتية لها محارس في شبه جزيرة توشريت لكونها كانت بها مناجم الفيروز مثلما اتضح ذلك من الاثار التي عثر عليها بعد التنقيبات الأثرية بشبه الجزيرة وكان يطلق على شبه الجزيرة ” بنت مفكات ” أي سيدة الفيروز وهو الأمر لا يسهل معه فرار موسى من ملك ايجيبت فيما لم تذكر الخراطيش الايجبتية بكون ملوك ايجيبت كانوا يلقبون بفرعون انما تفيد تلك الخراطيش بكونهم يسمون ” ملاخي ” أي ملك .
البحث في الأرض الغلط يجعل التنقيبات الأثرية فاشلة في الوصول الى اكتشافات من البداية لكون المنطلقات غير الصائبة تنتج نتائج عرجاء يغلب عليها الانطباع و التلفيق لذلك فشلت التنقيبات الأثرية بشبه جزيرة توشريت الإيجبتية في العثور ولو على دليل واحد يفيد سير شعب بني إسرائيل بارجاء شبه الجزيرة ؟ ولم تشر النقوش السينائية التي تم العثور عليها في بداية القرن العشرين ولو بإشارة واحدة ملثل رحلة بني إسرائيل انما اتضح ان تلك النقوش هي كتابات كنعانية فيما لم تتوصل فرق التنقيب الصهيونية في فترة احتلال شبه الجزيرة بعد النكسة و قبل استردادها الى العثور ولو على دليل اثري واحد رغم القيام بمسوح ستراتوغرافيا على الأرض و لم يذكر إسرائيل فنكشتاين بكتابه ارض التوراة مكشوفة على حقيقتها أي كشف يتعلق برحلة خروج بني إسرائيل وراء موسى و يبدو ان مطابقات الصليبيين هي التي تم الانطلاق منها بعد انتهاء حروب الفرنجة و عودتهم نحو أوروبا بعد تحرير ارض الشام الكبير منهم وأن إصرار الدوائر المسيحية الصهيونية على تلك المطابقات الاعتباطية تخرج عن سياق البحث المعرفي الى ترديد الأكاذيب لغايات استعمارية و عليه فمن غابت عنه الجغرافيا فقد راوغه التاريخ لذلك يتجه السير في الأرض للنظر لتنهدم الأكاذيب التي تروجها المسيحية الصهيونية لعدم تطابق المؤشرات و المعطيات الجغرافية على الأرض الخطا في شبه جزيرة توشريت الإيجبتية و التي ليست سيناء المذكورة باسفار التناخ .
ملاحظة : تم تفنيد مطابقات الخريطتين.